اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 228
شعور يحتم عليه أن يعد نفسه للمستقبل ولاسيما للمناصب المتقدمة في الدولة ([1])،
ويمكن القول أن صلاح الدين نشأ وتربى بين أحضان أسرته، وأخذ عن أبيه نجم الدين براعته في السياسة واكتسب من عمه شيركوه شجاعته في الحروب، فنشأ متشبعاً بالدهاء السياسي والروح الحربية، كما تعلم علوم عصره فحفظ القرآن ودرس الفقه والحديث، وتتلمذ على أيدي كبار العلماء وأساتذة منطقة الشام والجزيرة منهم الشيخ قطب الدين النيسابوري [2]، وقد تأثر صلاح الدين بالسلطان نور الدين محمود الذي قّدم النموذج الرائع للإخلاص المتفاني والشعور الحادّ بالمسؤولية الدينية وتعلم منه الإخلاص والفداء وكيف يناجي ربه في صلوات خاصة في محاربه يأخذ منها زاده القوي على الجهاد، وورث عنه قيادة المشروع الإسلامي وتعلم منه كيفية التصدي للمد الشيعي الرافضي، والغزو الصليبي وقد بينت ذلك مفصلاً في كتابي عن الدولة الزنكية وسيرة نور الدين محمود الشهيد.
لقد درج صلاح الدين على طريق العز، ونشأ على الفروسية، وتدرب على الحرب والجهاد ومارس السياسة وتدبير الأمور، وكما يقول الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيات فينا ... على ما كان عوده أبوه
وفي المدة التي قضاها في دمشق بعد استيلاء نور الدين بن عماد الدين زنكي عليها ظهرت شخصية صلاح الدين الفذة، فكان محل احترام وتقدير، بل كان له من الاعتبار والمكانة ما لابن حاكم دمشق نفسه، وقد ظهر أمام المجتمع بمظهر الشاب الهادئ المهذب المتدين، المتقد غيرة على الإسلام والمسلمين بما طبع في نفسه من أخلاق نور الدين الذي أنزله لديه منزلة خاصة، ومن المناصب التي أسندت إليه في دمشق - في عهد نور الدين - منصب رئاسة الشرطة وقد قام بهذا المنصب أحسن قيام، واستطاع أن يطهر دمشق من عبث اللصوص، ومن شرور المفسدين، فأعاد الأمن والاستقرار في ربوع الشام، وبات الناس يأمنون على أنفسهم وأموالهم وينعمون بنعمة الحياة الهادئة المطمئنة الكريمة، ولعل حسان بن نمير المعروف "بعرقلة" الدمشقي يوضح في فرحته بيوسف صلاح الدين لتسلمه رئاسة شرطة بلده، وذلك حيث يقول:
رويدكم يا لصوص الشام ... فإني لكم ناصح في المقال أتاكم سمي النبي الكريم ... يوسف رب الحجا والجمال [1] المصدر نفسه ص 84 .. [2] القدس تاريخ وحضارة عبلة المهتدي ص 182.
اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 228