اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 195
لكنّ بعض مفكري الدولة الفاطميّة، ورجالها وبعض الجماعات التي فقدت نفوذها وامتيازاتها ظلت على ولائها لما كانت تمثله الدّولة السابقة من أفكار وإمتيازات [1]، فعملت تلك القوى الموالية للفاطميين من جنود وأمراء وكتاب وموظفي دواوين، ومن عائلات الوزراء السابقين مثل بني رزيك وبني شاور، راحوا يخططون للقضاء على حكم صلاح الدين وإعادة الدولة الفاطمية [2]. وقد وصفهم عماد الدين الأصفهاني بقوله: واجتمع جماعة من دعاة الدولة المتعصّبة المتشددة المتصلبة، وتوازروا وتزاوروا فيما بينهم خفية وخفية واعتقدوا أمنية عادت بالعقبى عليهم منيّة، وعيّنوا الخليفة والوزير، وأحكموا الرأي والتدبير، وبيتّوا أمرهم بليل، وستروا عليه بذيل (3)
ويبدو أن مؤامرتهم كانت في غاية التنظيم إذ عينوا خليفة ووزيراً ثم كاتبوا الفرنج أكثر من مرّة يدعونهم في إحداها إلى الهجوم على مصر، في وقت كان صلاح الدين غائباً في الكرك، والتفّ هؤلاء حول عمارة اليمني، الفقيه والأديب السنيّ المذهب الفاطمي الولاء الذي تولى مهمة المراسلة مع الفرنج، وظنّ المتآمرون أن سريتهم التامة ستقودهم إلى النجاح، ولكنهم لم يعلموا أن القاضي الفاضل عن طريق ديوان الإنشاء كان يراقبهم مراقبة تامة حتى تحين الفرصة المواتية لكشف سرهم، وتذكر المصادر في كشف مؤامراتهم قصتين تختلفان بعض الاختلاف في التفصيلات أولاهما أن أحد الكتاب في الديوان وهو عبد الصمد الكاتب، كان يلقى الفاصل بخضوع زائد، يخدمه ويتقرب إليه ويبالغ في التواضع إليه، فلقيه يوما، فلم يلتفت إليه فقال القاضي الفاضل: ما هذا إلا لسبب وخاف أن يكون قد صار له باطن مع صلاح الدين، فأحضر ابن نجا الواعظ وأخبره الحال، وطلب منه كشف الأمر، فلم يجد من جانب صلاح الدين شيئاً، فقصد الجانب الآخر، فكشف الحال إليه، فأرسله القاضي الفاضل إلى صلاح الدين وقال له: تحضر الساعة عند صلاح الدين وتنهي الحال إليه، فحضر عند صلاح الدين وهو في الجامع وذكر الحال، عندئذ استدعاهم صلاح الدين وقرّرهم فأقروا بمؤامرتهم، فاعتقلهم ثم أمر بصلبهم [4] وتشير الرواية الثانية إلى أن المتآمرين أدخلوا الواعظ زين الدين بن نجا بينهم، فتظاهر بمساندته لهم في البداية ثم أعلم صلاح الدين بأمرهم، وطلب منه أن يعطيه ما لابن كامل من أملاك، فوافق وأمر بمخالطتهم وتعريف شأنهم، فصار يعلمه بما يجدّ من أمرهم، ثم وصل رسول من الفرنج إلى صلاح [1] صلاح الدين القائد وعصره د. مصطفى الحيارى ص 168. [2] كتاب الروضتين في أخبار الدولتين (2/ 282).
(3) المصدر نفسه .. [4] القاضي الفاضل ص 146.
اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 195