اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 560
يخرج صلاح الدين إلى لقائه، فيقبض هو على من يبقى من أصحابه في القاهرة ويثبت على منصب الوزارة ويتقاسم البلاد مع الصليبيين غير أن صلاح الدين علم بخيوط المؤامرة حين أرتاب أحد أتباعه في شكل الخفين اللذين اتّخذهما رسول مؤتمن الخلافة إلى عموري الأول، فأخذهما ونزع خياطتها، فاكتشف الرسالة بداخلها، فقبض على مؤتمن الخلافة وانتهز الفرصة للتخلص منه، غير أن أنباء اهتزاز مركزه في مصر شجعت النصارى على القيام بمحاولة أخرى لمهاجمة مصر [1]. وقد قام صلاح الدين بأبعاد جميع الخدم من السودان عن قصر الخلافة واستعمل على الجميع في القصر، بهاء الدين قراقوش، فكان لا يجري في القصر صغير ولا كبير إلا بحكمه وأمره [2].
2 - وقعة السُّودان: وذلك أنه لما قتل الطَّواشي [3]، مؤتمن الخلافة الخادم الحبشُّي، وعزل بقية الُخدَّام غضبوا لذلك واجتمعوا قريباً مِن خمسين ألفاً، فاقتتلوا هم وجيش الملك صلاح الدين بين القَصْرَين فقتل خلق كثير من الفريقين، وكان العاضد ينظر من القصر إلى المعركة، وقد قُذِْفَ الجيشُ الشامُّي من القصر بحجارة، وجاءهم منه سهامٌ، فقيل: كان ذلك بأمر العاضد وقيل: لم يكن بأمره، ثم إن أخا الناصر - صلاح الدين - شمس الدولة تورانشاه وكان حاضراً للحرب قد بعثه نور الدين إلى أخيه ليُشدَّ أزره - أمر بإحراق منظره العاضد، ففتح الباب ونُودِى: إن أمير المؤمنين بأمركم أن تخرجوا هؤلاء السُّودان من بين أظهركم، ومن بلادِكم فقوى الشاميون وضعف جأش السودان جدَّاً،، وأرسل الملك الناصر إلى محلتهم المعروفة بالمنصورة التي فيها دورُهم وأهلوُهم بباب زويلة فأحرقها فولَّوا عند ذلك مُدبرين، وركبهم السيف فقتل خلقاً كثيراً، ثم طلبُوا الأمان من الملك صلاح الدين، فأجابهم إلى ذلك، وأخرجهم إلى الجيزة، ثم خرج إليهم شمسُ الدول تورانشاه أخو الملك صلاح الدين فقتل أكثرهم ولم يبق منهم إلا القليل " فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا " (النمل، آية: 52) [4] ويبدو أن حاكم مصر الفاطمي كان في ذلك الوقت على علم بمؤامرة مؤتمن الخلافة، لأنه ليس من المتصور أن يجري ذلك في قصره وبدون علمه، ويؤكد ذلك أن قوات صلاح الدين يوسف بن أيوب تعرضت وهي تصفي أطراف المؤامرة، لهجمات بالحجارة والسهام صادرة من قصر الحاكم، بل إن العاضد كان يراقب المعركة من القصر [5]. [1] الكامل في التاريخ نقلاً عن تاريخ الفاطميين ص 510. [2] البداية والنهاية (16/ 434). [3] الطواش: جمع طواشية وهم الخصيان الذين استخدموا في الطياق المملوكة وفي الحريم السلطاني وكانت لهم حرمة وافرة. [4] البداية والنهاية (16/ 435). [5] الطريق إلى القدس ص 91.
اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 560