اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 439
فارس غير المشاة والطلائع، وظهر أمام أسوار المدينة [1]، وقع جوسلين الثاني بين شقي الرحى، الحامية من الداخل وجيش نور الدين محمود من الخارج، فلم يقو على ملاقاة هذه الجموع داخل الرها وخارجها، فأسقط في يده، وأدرك أن لا سبيل إلى النجاة إلا بالهرب، فتسلَّل أثناء الليل إلى خارج المدينة، وأتخذ طريقه صوب الفرات [2]. لكن هذه العملية لم تتم بسهولة فقد طارده نور الدين محمود واقتفى أثره، واشتبك معه في اليوم التالي وتغَّلب عليه، إلا أنه استطاع الفرار إلى سميساط بصعوبة بالغة بعدما أصيب في رقبته، وكان بلدوين حاكم مرعش من بين القتلى، كما قتل باسيل أسقف اليعاقبة، ووقع يوحنا أسقف الأرمن في الأسر [3]. خرج الأرمن من الرها بعد أن أدركوا ما ينتظرهم إذا ظلوا فيها، وقد أضرموا النيران في كثير من البيوت، لكن أكثرهم لم يتمكن من النجاة ووقعوا تحت ضربات المسلمين [4]، وكان من الطبيعي أن يحل العقاب بمن بقي من أهل الرها النصارى الذين غدروا بالمسلمين بعدما تخلىَّ جوسلين الثاني عنهم ([5])،
فقد أراد نور الدين أن يجعل من عصيان الرها وتمردها درساً للآخرين فأباحها لجيشه وسبى أهلها وأجلى من كان بها الفرنج وكانت الأخبار قد وصلت إلى الموصل بعصيان الرها وعودة جوسلين إليها، فأرسل سيف الدين غازي جيشاً لاستعادتها ولكن هذا الجيش رجع قبل وصوله للرها عندما علم باستعادة نور الدين للمدينة، وأقر سيف الدين غازي أخاه نور الدين في عمله [6]. وكانت حادثة عصيان الرها واسترجاعها من قبل نور الدين محمود مع ما رافق ذلك من نهبها وسبي أهلها وقتل الغالبية من جيش جوسلين أثناء هربه منها، ثم سكوت سيف الدين غازي عن احتلال أخيه نور الدين محمود للمدينة كان كل ذلك بمثابة خيبة أمل كبيرة للفرنجة الطامعين في اندلاع الحرب بين الأمراء المسلمين، الذين فرحوا بوفاة عماد الدين زنكي وزوال خطره، ولكنهم أدركوا أن ابنه نور الدين محمود لا يقل خطورة عن أبيه ثم تعززت خيبة الأمل لدى أولئك الأعداء بعد التقا سيف الدين غازي بأخيه نور الدين محمود واتفاق الأخوين على التعاون فيما بينهم ضد الطامعين بملك أبيهم وملكهم [7].
وهذا أول فتح لنور الدين، رحمه الله، وفيه يقول ابن منير من قصيدة: [1] تاريخ الزنكيين في الموصل وبلاد الشام ص 254. [2] الكامل في التاريخ نقلاً عن تاريخ الزنكيين ص 254. [3] تاريخ الزنكيين ص 254. [4] المصدر نفسه ص 255. [5] المصدر نفسه ص 255 .. [6] دور نور الدين في نهضة الأمة ص 92. [7] الباهر ص 87 دور نور الدين في نهضة الأمة ص92.
اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 439