اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 240
وقد وسع نور الدين نطاق (الخدمات العلمية) للدولة ومنح الضمانات الكافية للمدرسين والدارسين على السواء، ومكنّ العلماء بما خصصه لهم من أعطيات، من أن يتفرغوا لمهامهم العلمية [1]، وهذا المنهج من هدي عمر بن عبد العزيز، فقد وضع قانون التفرغ للعلماء والدعاة والمفكرين، كي تتيح لهم التفرغ الكامل لإنجاز مشاريع فكرية دعوية التي يعكفون عليها باختيار أو بتوجيه من الدولة فأجرى الأرزاق على العلماء، ورتب لهم الرواتب ليتفرغوا لنشر العلم ويكفوا مؤونة الاكتساب [2]، وهذا الفعل من نور الدين محمود وعمر بن عبد العزيز من أسباب التمكين المادية، فالأعمال العظيمة تحتاج إلى أوقات كبيرة وجهود ضخمة وهمم عالية، ولذلك تضطر الأمة الواعية إلى مبدأ التفرغ مع التنوع والتكامل حتى تسد كل الثغرات التي تحتاجها ولا يقع تركيز على جانب فيتضخم بينما تهمل جوانب الأخرى ولابد من توفير المال اللازم لهذه المشاريع لأنها من أعظم القربات إلى الله - تعالى - كما يجوز أخذ مال الزكاة أو الصدقة أو الوقف أو الوصية أو الهبة أو الهدية لسد هذه الثغرات المهمة، كما ينبغي توفير كل ما يحتاجه المتفرغ وذويه من الأجر الكافي حتى يتفرغ للعطاء والبذل مع مراعاة عدم الإسراف والبذخ، ولا بد من الخوف من الله تعالى عند اختيار المتفرغ بحيث يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب دون محابة لعمرو أو زيد [3]، قال تعالى: " إن خير من استئجرت القوى الأمين " (القصص: 26).
3 - اهتمامه بعلماء المدارس النظامية: من أهم العوامل التي يسرت أمام نور الدين سبيل النجاح أنه لم يبدأ من فراغ وإنما استفاد من جهود المدارس النظامية التي أسسها نظام الملك الوزير السلجوقي الشهير وقد تحدثت عنها بنوع من التفصيل في كتابي دولة السلاجقة والمشروع الإسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي، فقد انتفع الملك العادل نور الدين محمود بما حققته المدارس النظامية من نتائج باهره والتي في مقدمتها تخريج جيل يعي حقيقة الصراع والأخطار المحيطة به من باطنية وصليبية وهو مؤهلاً بأن يحمل على عاتقه مهمة الدعوة للمذهب السني والانتصار له والدفاع عنه وقد استفاد نور الدين من عدد كبير من هؤلاء العلماء الذين تخرجوا من النظاميات ومنهم: القاضي كمال الدين الشهرزوري والذي كان بمثابة وزير له، والقاضي شرف الدين بن أبي عصرون الذي أنشأ له [1] نور الدين محمود الرجل والتجربة ص 141. [2] الخليفة الراشد والمصلح الكبير عمر بن عبد العزيز ص 265. [3] أولويات الحركة الإسلامية ص 193 فقه النصر والتمكين ص 272.
اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 240