responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 233
فجعلهم بين قتيل غير مقاد وهارب ممنوع الرُّقاد " واخرين مقرنين في الأصفاد هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب " (ص، الآيات: 38 - 40) علم أن الدنيا فانية فاستخدمها للآخرة الباقية، واستبقى ملكه الزّائل بأن قدّمه أمامه، وجعله ذُخراً للمعاد، فالتقوى مادة دارَّه إذا انقطعت المواد وجادّة واضحة حين تلتبس الجواد " يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله " (الأنفطار، آية: 19) فصفح لكافة المسافرين وجميع المسلمين بالضَّرائب والمكوس، وأسقطها من دواوينه وحرّمها على كل متطاول إليها، ومتهافت عليها، تجنباً لإثمها واكتسابا لثوابها، فكان مبلغ ما سامح به وأطلقه وأنفذ الأمر فيه - تباعاً لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم - في كل سنة من العين مئة ألف وستة وخمسين ألف دينار [1].
وكانت النتيجة الطبيعية لذلك، أن نشط الناس للعمل، فأخرج التجار أموالهم، ومضوا يتاجرون، وجاءت الجبايات الشرعية بأضعاف ما كان يجبي من وجوه الحرام بينما كان ما ألغاه من المكوس المستحدثة لا يزيد عن (165.000) مائة وخمسة وستين ألف دينار [2]، ويقول ابن خلدون: العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه حينئذ من أن غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها، انقبضت أيديهم عن السعي في ذلك، وعلى قدر الاعتداء ونسبته، يكون انقباض أيديهم [3] عن المكاسب، كسدت أسواقاً العمران، وانتقضت الأحوال ويقول: العدوان على الناس في أموالهم وحرمهم ودمائهم وأسرارهم وأعراضهم .. يفضي إلى الخلل والفساد دفعة وتنتقص الدولة سريعاً [4].
وكانت هناك أمور عديدة ساعدة نور الدين على إلغاء المكوس وأهمها على الإطلاق توفيق الله له، فقد رأى له وزيره موفق الدين خالد بن القيسراني الشاعر في منامه أنه يغسل ثيابه وقصَّ ذلك عليه ففكر ساعة، ثم أمره بكتابة إسقاط المكوس وقال: هذا تفسير منامك. وكان في تهجده يقول: أرحم العشّار المكّاس وبعد أن أبطل ذلك استعجل الناس في حِلَّ وقال: والله ما أخرجناها إلا في جهاد عدوَّ الإسلام، يعتذر بذلك إليهم عن أخذها منهم [5] ومن الأسباب التي كانت محركة لنور الدين في إبطال تلك المظالم والخلاص من تلك المآثم موعظة أبي عثمان المنتخب بن أبي محمد البحتري الواسطي فقد قال قصيدة في نور

[1] كتاب الروضتين في أخبار الدولتين (1/ 70).
[2] الجهاد والتجديد ص 329.
[3] المقدمة ص 286معوقات الجهاد (1/ 422
[4] المقدمة ص 290.
[5] كتاب الروضتين في أخبار الدولتين (1/ 54).
اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 233
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست