responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 208
الحق، ومتى أقدم على ذلك أدبه بما يناسب بدعته [1] وكان لا يقدم على إجراء ما عام أو شخصي، إلا بعد أن يستفتي الفقهاء الذين كانوا أشبه بمجلس شيوخ تشريعي أو هيئة استشارية تستلهم في قراراتها النهائية مؤشرات الشريعة الغراء بحيث لا يقدم أحد في الدولة على عمل أو إجراء إلا ويجيء ذلك العمل منسجماً مع فكر الدولة وعقيدتها وشريعتها [2]. ولم يدع نور الدين منكراً يسود جانباً من جوانب الحياة الاجتماعية إلا عمل على إزالته وحث موظفيه على التنفيذ الفوري لأوامره بهذا الصدد .. إنه لم يشأ أن يقاتل العدو في الخارج وفي الداخل يعشش الخراب والتفكك والعفن فيدمر الإنسان المسلم، ويفتت العلاقات الاجتماعية، ويستترف القدرات الجهادية الخلاقة للأمة المسلمة، والتي بدونها، كانت تنتهي دائماً إلى مواقع الفرار والذلة والهزيمة. لقد قالها يوماً أحد كبار الشيوخ - برهان الدين البلخي - وجهاً لوجه أمام نور الدين: أتريدون أن تنصروا وفي عسكركم الخمور والطبول والزمور؟ فلا والله [3]، وما كان نور الدين بحاجة إلى من يقول له هذا ولكنها الذكرى التي تهز الفؤاد وتقود إلى مزيد من الإنجاز الذي يبني الجبهة الداخلية النظيفة، المتينة القديرة على مواصلة المهمة القتالية التي قادها نور الدين .. لقد أصدر أوامره إلى كافة موظفيه بالعمل على منع ارتكاب الفواحش وشرب الخمور، أو بيعها في جميع بلاده، أو إدخالها إلى بلد ما، وإسقاط كل ما يدخل تحت شبه الحرام وتصفية آثار الآثام، وإرقة الخمور، وإزالة كل ما ينّد الظلام، وكان ينزل عقابه السريع العادل بكل من خالف عن أمره وكل الناس عنده فيه سواء [4].
لقد بلغ من التزام نور الدين بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام حداً في غاية الروعة والجمال وشدة المحبة لرسول الإسلام، فقد حكى الشيخ أبو البركات أنه حضر مع عمه الحافظ أبي القاسم مجلس نور الدين لسماع شيء من الحديث، فمّر أثناء الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج متقلداً سيفاً، فاستفاد نور الدين أمراً لم يكن يعرفه وقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقلد السيف؛ يشير إلى التعجب من عادة الجند إذ هم على خلاف ذلك لأنهم يربطونه بأوساطهم فلما كان من الغد مر، وأنا تحت القلعة والناس مجتمعون ينتظرون ركوب السلطان، فوقفنا ننظر إليه، فخرج من القلعة وهو متقلد السيف وجميع عسكره كذلك [5]. رحم الله الملك العادل نور الدين الذي لم يفرط في الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الحالة، بل لما

[1] الكواكب ص 25، 32 - 33 نور الدين محمود ص 87.
[2] مرآة الزمان (8/ 247) نور الدين محمود ص 87.
[3] زبدة حلب (2/ 215) نور الدين محمود ص 88.
[4] نور الدين محمود الرجل التجربة ص 88.
[5] عيون الروضتين (1/ 384، 385).
اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 208
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست