responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 180
فحسب من وفاة نور الدين ولا شك أن وصفه هذا ينسحب على العصر الذي نتحدث عنه لأن تغييرات جغرافيا المدن لا تقاس بالسنين المحدودة بل بعقودها على أقل تقدير، يقول الرجل، مشيراً إلى الاتساع العمودي لدمشق: وبناء البلد ثلاث طبقات فيحتوى من الخلق على ما تحتوي ثلاث مدن، لأنه أكثر بلاد الدنيا خلقاً وحسنه كله خارج المدينة لا داخلها، وبدمشق (ما يقرب من) مائة حّمام فيها وفي أرباضها، وفيها نحو أربعين داراً للوضوء يجري الماء فيها كلها وليس في هذه البلاد كلها بلدة أحسن منها للغريب لأن المرافق بها كثيرة .. وأسواق هذه البلدة من أحفل أسواق البلاد وأحسنها انتظاماً وأبدعها صنعاً [1]، وقد سرت عدوى الرغبة في البناء والإعمار إلى رجال نور الدين وكبار موضفيه - كما سنرى في الفصول
التالية - فراحوا يتسابقون في بناء المدارس والمساجد ومؤسسات الخدمات الاجتماعية وما أكثر الروايات التي قيلت في هذا الصدد ويكفي أن نطلع على تراجم رجال نور الدين محمود، بل النساء اللواتي اشتهرن في عصره كذلك [2].

خامساً: قوة الشخصية:
كان نور الدين محمود قوي الشخصية، قديراً على الوقوف في نقطة التوازن بين الصرامة والمرونة، والشدة واللين، والعنف والرحمة [3]، وقد وصفه ابن الأثير بأنه كان: مهيباً مخوفاً مع لينه ورحمته وأنه كانت إليه النهاية في الوقار والهيبة شديداً في غير عنف، رقيقاً في غير ضعف [4] ويصف مجلسه فيقول: وكان مجلسه كما روي في صفة مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلس حلم وحياء، لا تؤبن فيه الحرم، ولا يذكر فيه إلا العلم والدين وأحوال الصالحين والمشورة في أمر الجهاد، وقصد بلاد العدو، ولا يتعّدى هذا .. وقال الحافظ ابن عساكر الدمشقي: كنا نحضر مجلس نور الدين فكنا كما قيل: كأن على رؤوسنا الطير تعلونا الهيبة والوقار وإذا تكلم أنصتنا، وإذا تكلمنا استمع لنا [5] وقال ابن كثير: لم يسمع منه كلمة فحش قط في غضب ولا رضى، صموتا وقوراً [6]. وكان نور الدين محمود يملك هيبة عجيبة على موظفيه، ويلزمهم بوظائف الخدمة: ولم يجلس عنده أمير من غير أن يأمره بالجلوس باستثناء نجم الدين أيوب ... وكان مع هذه العظمة وهذا الناموس القائم، إذا دخل عليه الفقيه أو الصوفي أو الفقير يقوم له ويمشي بين يديه ويجلسه إلى جانبه، ويُقبل عليه بحديثه كأنه أقرب الناس إليه وإذا أعطى أحداً منهم شيئاً

[1] المصدر نفسه ص 24.
[2] المصدر نفسه ص 24.
[3] المصدر نفسه ص 24.
[4] المصدر نفسه ص 24.
[5] الباهر ص 173 نور الدين محمود ص 24.
[6] البداية والنهاية نقلاً عن نور الدين محمود ص 24.
اسم الکتاب : عصر الدولة الزنكية المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 180
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست