responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : عمر بن عبد العزيز معالم التجديد والإصلاح الراشدي على منهاج النبوة المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 229
الوراق: لما ظهر الحسن جاء كأنَّما كان في الآخرة فهو يخبر عمَّا عاين [1]. وقال عوف: ما رأيت رجلاً أعلم بطريق الجنة من الحسن [2]. فقد كان يتذوق الإيمان، ويتكلم عن عاطفة ووجدان، لذلك كانت حلقته في البصرة أوسع الحلقات، وانجذب الناس إليه انجذاب الحديد إلى المغناطيس ـ وذلك شأن أهل القلوب والإخلاص في كل زمان ـ وكان من أعظم ما امتاز به هو أنَّ كلامه كان أشبه ما سمع الناس بكلام النبوة وقال الغزالي في إحياء علوم الدين: ولقد كان الحسن البصريُّ رحمه الله أشبه الناس كلاماً بكلام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأقربهم هدياً من الصحابة رضي الله عنهم، اتّفقت الكلمة في حقه على ذلك [3]، وكانت نتيجة المواهب العظيمة والفضائل الكثيرة، أنه كان صاحب شخصية قوية جذابة حبيبة إلى النفوس، وكان الناس مأخوذين بسحرها، خاضعين لعظمتها، حتى قال ثابت بن قرّة الحكيم الحرّاني: إن الحسن من أفراد الأمة المحمدية التي تتباهى بهم على الأمم الأخرى [4].
وكان من أعظم أسباب تأثير الحسن البصري في المجتمع، ونفوذه في القلوب والعقول، أنه ضرب على الوتر الحساس، ونزل أعماق المجتمع، ووصف أمراضه، وانتقده انتقاد الحكيم الرفيق، والناصح الشفيق، لقد كان عصره يغُصُّ بالدعاة والوعاظ، ولكنََّ المجتمع لم يتأثر لأحد كتأثره بالحسن، لأنه كان يَمسُّ قلبه وينزل في صميم الحياة، ويعارض التيار، لإنه كان ينعى على الإخلاد إلى الحياة والإنهماك في الشهوات، وقد انتشر هذا المرض في الحياة، إنه كان يذكر بالموت ويستحضر الآخرة، والمترفون يتناسون ذلك ويُعلِّلون نفوسهم بالأماني الكذابة والأحلام اللذيذة، ويتضايقون بذكر ما يكدِّر عليهم الحياة ويُعكرِّ صفو عيشهم، فكان دائماً في صراع مع الجاهلية، والجاهلية لا تخضع إلا لمن صارعها، ولا تعترف إلا بوجود الرجل الذي يحاربها وكان الحسن البصري هو ذاك الرجل، فعظم تأثيره وكثر التائبون والمُقْلعون عن المعاصي والحياة الجاهلية التي كانوا يعيشونها وانطلقت موجة الإصلاح قوية مؤثرة، لأن الحسن لم يقتصر على مواعظ وخطب كان يُلقيها، بل كان يُعني بتربية من يتصل به ويجالسه. فكان

[1] سير أعلام النبلاء (4/ 573).
[2] المصدر نفسه (4/ 575).
[3] رجال الفكر والدعوة (1/ 68).
[4] المصدر نفسه (1/ 68).
اسم الکتاب : عمر بن عبد العزيز معالم التجديد والإصلاح الراشدي على منهاج النبوة المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 229
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست