اسم الکتاب : معاوية بن أبي سفيان المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 463
الجيش الإسلامي فحملت أولادها وولَّت هاربة، وهذا التأويل من عجائب بعض الباحثين حيث يُغفلون تفكيرهم الصحيح من أجل ردِّ مالا يؤمن به العقل المجرد، كما أنهم يستغفلون المؤرخين الذين رووا هذه الحادثة وأمثالها على أنها من الأمور الخارقة للعادة، ويتهمونهم بالسذاجة لتحويلهم الوقائع المعتادة في حياة الناس إلى ما يشبه الأساطير، فإن التفكير الصحيح يرى أن التأويل الذي اعتمدوه لا ينسجم مع العقل السليم، لأن الوحوش والدواب البرية إذا تعرضت للفزع تأوي إلى حجورها الآمنة لتسخفي بها ولا تلجأ إلى الهرب حتى لا تتعرض للأذى مما فزعت منه، ثم إنه لو حصل خلاف الغالب من المعتاد فهربت تلك الدواب من أمر عادي وهو فزعها
من الجيش لم يكن هناك ما يدعو إلى عجب البربر وانبهارهم الذي حملهم على الدخول في الإسلام من أجل ذلك، ولم يكن في ذلك ما يحمل طائفة من المؤرخين على رواية هذه الحادثة الغريبة وقد جاء في إحدى روايات ابن عبد الحكم عن الليث بن سعد قال: فحدثني زياد بن العجلان: إن أهل أفريقية اقاموا بعد ذلك أربعين سنة ولو التُمست حية أو عقرب بألف دينار ما وجدت [1]، وعبرة أخرى في تلك الرؤيا التي رآها عقبة بن نافع في أمر تحديد القبلة وما تلا ذلك من سماعة التكبير الذي لم يسمعه من حوله، وهذه كرامة أخرى لهذا الولي الصالح فرج الله تعالى بها عن المسلمين كربة كانوا يعانون منها من عدم مقدرتهم على تحديد القبلة بدقة، وهذا هو أحد المقاصد التي تظهر فيها الكرامات على أيدي أولياء الله الصالحين، وقد كان عقبة مستجاب الدعوة، فاستجاب الله تعالى دعاءه في تفريج همه وهموم المسلمين في هذا الأمر [2].
وأهل السنة والجماعة يثبتون الكرامات للصالحين: فأولياء الله المتقون هم المقتدون بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيفعلون ما أمر الله به وينتهون عما عنه زجر، ويقتدون به فيما بين لهم أن يتبعوه فيه، فيؤيدهم بملائكته وروح منه، ويقذف الله في قلوبهم من أنواره، ولهم الكرامات التي يكرم الله بها أولياءه المتقين، وخيار أولياءه كراماتهم لحاجة في الدين أو لحاجة بالمسلمين، كما كانت معجزات نبيهم صلى الله عليه وسلم كذلك، وكرامات أولياء الله إنما حصلت ببركة إتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم [3] ومما ينبغي أن يعرف أن الكرامات قد [1] فتوح مصر صـ133، التاريخ الإسلامية (13/ 249). [2] التاريخ الإسلامي (13/ 249). [3] مجموع الفتاوي (11/ 274).
اسم الکتاب : معاوية بن أبي سفيان المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 463