اسم الکتاب : نوادر الخلفاء = إعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العباس المؤلف : الإتليدي الجزء : 1 صفحة : 230
فنكس المأمون رأسه إلى الأرض وجعل يخط في الأرض بإصبعه، ثم رفع رأسه وقال:
قومي هموا قتلوا أميم أخي ... فإذا رميت يصيبني سهمي
ثم قال المأمون: لا بأس عليك يا عم.
فقلت: ذنبي يا أمير المؤمنين أعظم من أن أفوه معه بعذر، وعفوك أعظم من أن أنطق معه بشكر، ولكن أقول:
إن الذي خلق المكارم حازها ... في صلب آدم للإمام السابع
ملئت قلوب الناس منك مهابةً ... وتظل تكلؤهم بقلبٍ خاشع
ما إن عصيتك والغواة تمدني ... أسبابها إلا بنية طائع
وعفوت عمن لم يكن عن مثله ... عفو، ولم يشفع إليك بشافع
ورحمت أشباحاً كأفراخ القطا ... وحنين والدةٍ بقلب جازع
فقال المأمون: لا تثريب اليوم عليك، قد عفوت عنك، ورددت عليك مالك وضياعك، فأنشدت أقول:
رددت مالي ولم تبخل علي به ... وقبل ردك مالي قد حقنت دمي
أمنت منك وقد خولتني نعماً ... نعم الحياتان من موت ومن عدم
فلو بذلت دمعي أبغي رضاك به ... والمال حتى أسل النعل من قدمي
وإن جحدتك ما وليت من نعم ... إني إلى اللؤم أول منك بالكرم
فقال المأمون: إن من الكلام كلاماً كالدر، وهذا منه، وأمر لي بمالي وخلع علي، وقال: يا عم إن أبا إسحاق والعباس أشار بقتلك.
فقلت: إنهما نصحاك يا أمير المؤمنين، ولكن فعلت ما أنت أهله، ودفعت ما خفت أنا بما رجوت.
فقال المأمون: لقد مات حقدي بحياة عذرك، وقد عفوت عنك.
ثم سجد المأمون طويلاً، ثم رفع رأسه، ثم قال: يا عم أتدري لم سجدت؟ قلت له: شكراً لله تعالى على ما أوقعك علي وملكك إياي في ديك تفعل بي ما تشاء.
فقال: أخطأت! ولكن أشكر الله تعالى على ما ألهمني من العفو عنك من قبل نفسي، ثم قال: وأعظم من عفوي عنك أنني لم أجرعك مرارة امتنان الشافعين، فحدثني بما كان من أمرك.
اسم الکتاب : نوادر الخلفاء = إعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العباس المؤلف : الإتليدي الجزء : 1 صفحة : 230