اسم الکتاب : نوادر الخلفاء = إعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العباس المؤلف : الإتليدي الجزء : 1 صفحة : 228
يقرب حب الموت آجالنا لنا ... وتكرهه آجالهم فتطول
فوالله لقد أجاد وذهب عني كل ما كان من الفزع والجزع، واستأنست به وأخذني من الطرب ما لا مزيد عليه، وعالجني النوم قبل أوانه فنمت، ولم أستيقظ إلا بعد المغرب، وجال فكري في هذا الحجام وأدبه وظرفه، وكيف غناؤه وأدبه وإرادته أن يسليني عما أنا فيه إشارة إلى تخصيصه بالوفاء لضيفه ونصره لجاره، فقعدت وغسلت وجهي ويقظته، وأخذت خريطة كانت صحبتي فيها دناينر ومصاغ لها قيمة فدفعتها إليه، وقلت له: أنت في وداعة الله وحفظه فإني ماض عنك، وأسألك أن تصرف ما في هذه الخريطة في بعض مهماتك، ولك عندي، إذا أمنت، المزيد، فأعادها علي مبادراً وقال: يا سيدي! الصعلوك لا قيمة له عند أهل الرياسات، ويظنون فيه الظنون الرديئة، أفآخذ على ما وهبني الله من قربك وحلولك في منزلي ثمناً؟ لا والله، فألححت عليه، فأخذ موسى بيده وقال: والله إن راجعتني لأنحرن نفسي، فخشيت عليه وأخذت الخريطة وأثقلني حملها، فلما انتهيت إلى باب الدار، قال: يا سيدي إن هذا الموضع أخفى لك من غيره، وليس عندي في مؤنتك ثقلة، فأقم عندي إلى أن يفرج الله عنك. فرجعت وسألته أن يكون منفقاً من تلك الخريطة فلم يفعل، وكان كل يوم يفعل بي مثل ما فعل في اليوم الأول.
قال: فأقمت أياماً في أطيب عيش وأهناه، ثم سئمت من الإقامة عنده وخشيت الثقل عليه، فتركني ومضى يجدد لنا حالنا، فلبست ثيابي وتزينت بزي النساء بالخف والنقاب، وخرجت. فلما صرت في الطريق داخلني من الخوف والفزع أمر شديد ومشيت لأعبر الجسر، وإذا هو قد رش، ورجل قائم فأبصرني بعض من كان في خدمتي من الجند فتعلق بين وقال: طلبة أمير المؤمنين، فدفعته في صدره فوقع في الزلق وصار عبرة وتبادر الناس إليه فاجتهدت في المشي حتى قطعت الجسر، ودخلت زقاقاً فوجدت باباً وامرأة واقفة فيه، فقلت: يا سيدة النساء، احقني دمي فإني رجل خائف.
فقالت: ادخل، فدخلت فأطلعتني إلى غرفة وفرشت لي وقدمت لي طعاماً. وقالت: ليهدأ روعك فإنه لا يعلم بك مخلوق، ولو أقمت سنة ما عليك بأس، وإذا بالباب يدق، فخرجت وفتحت الباب، فإذا هو صاحبي الذي دفعته على الجسر، وهو مشدوخ الرأس ودمه يسيل على ثيابه، فقالت له ما دهاك؟ قال: إن حديثي عجيب وأمري غريب ظفرت بالفتى وانفلت من يدي.
اسم الکتاب : نوادر الخلفاء = إعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العباس المؤلف : الإتليدي الجزء : 1 صفحة : 228