اسم الکتاب : الأيوبيون بعد صلاح الدين المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 539
غير أن الوقت قد فات على مثل هذه المساومة، وكان طبيعياً لأن يرفض تورانشاه هذه الاقتراح، وبخاصة أنه علم بحرج موقف الملك وفي صباح ([1]محرم عام 648هـ/نيسان عام 1250م بدأت عملية الإنسحاب المهندسون الصليبيون أن يدمَّروا الجسر الذي أقاموه لاجتياز البحر الصغير فلم يلبث المماليك أن عبروه وراءهم، وقاموا بعملية مطاردة منظمة، وهاجموهم من كل ناحية [1]، وبفضل ثبات الملك الفرنسي وحسن إدارته بعملية الإنسحاب، وصل الصليبيون إلى شرمساح عند منتصف الطريق بين المنصورة ودمياط، لكن هذا الملك مريضاً، وأحاط المماليك بجيشه من كل جانب، وراحوا يتخطفونهم، وشنوا عليهم هجوماً عاماً عند فارسكور ولم يقوا الملك على القتال، وتمّ تطويق الجيش بأكمله، وحلت به هزيمة منكرة، ووقع كل أفراده تقريباً بين قتلى وجرحى وأسرى، وكان الملك لويسع التاسع نفسه من بين الأسرى، حيث سيق مكبَّلاً إلى المنصورة، وسُجن في دار فخر الدين إبراهيم بن لقمان، وعُهد إلى الطواش صبيح المعظمى بحراسته وخُصَّص من يقوم بخدمته وكانت معظم الحرب في فارسكور، فبلغت عدّة القتلى عشرة آلاف في قول المقل وثلاثين ألفاً في قول المكثر، وأسر من الفرنج عشرات الألوف بما فيهم ضاعتهم وسوقتهم، وغنم المسلمون من الخيل والبغال والأموال مالاً يحصى كثرة، وأبلت الطائفة البحرية - لاسيما بيبرس البندقداري - في هذه النوبة بلاء حسان وبان لهم أثر جميل [2]، وتعددت صور شجاعة هؤلاء المماليك في التصدي لأعداء الإسلام وشهد التاريخ ببسالة الدور الذي لعبه المماليك في مقاومة الصليبيين فذكر جوانفيل أن الكونت بواتييه والكونت فلاندر وبعض قادة قواتهم كانوا يرسلون إلى الملك لويس يتوسلون إليه: أن يقصر عن الحركة لعجزهم عن متابعته لضغط المماليك الشديد عليهم [3] ويقول: .. [1] النجوم الزاهرة (6/ 364) تاريخ الأيوبيين ص 388 [2] نهاية الأرب في فنون الأدب (29/ 356). [3] السلوك (1/ 455)
اسم الکتاب : الأيوبيون بعد صلاح الدين المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 539