اسم الکتاب : الأيوبيون بعد صلاح الدين المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 200
قال: ومرض أياماً، فلم يترك شيئاً مما كان يعمله من الأوراد، حتى كانت وفاته، وقت السَّحَرِ في ليلة الثلاثاء التاسع والعشرين من ربيع الأول، فغُسَّل بالدَّير، وحُمِل إلى مقبرته في خلق كثير، لا يعلمهم إلا الله عز وجل، ولم يَبْقَ أحدَ من الدولة والأمراء والعلماء والقضاة وغيرهم إلا حضر جنازته، وكان يوماً مشهوداً، وكان الحرُّ شديداً، فأظلت الناس سحابة من الحرَّ كان يُسمُع منها كَدوِىَّ النحل، وكاد الناس ينتهبون أكفانه، وقد رثاه الشعراء بمراتٍ حسنة ورُئيَت له منامات صالحه رحمه الله [1] وكان آخر كلامه "إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " (البقرة، آية: 132) [2] وكان يقول: لا علم إلا ما دخل مع صاحبه القبر ويقول: إذا لم تتصدقوا لا يتصدق عنكم، وإذا لم تعطوا السائل أنتم أعطاه غيركم [3] وكان إذا خطب تَرِقُ القلوب وتبكي الناسُ بكاءً كثيراً، وكانت له هيبة عظيمة في القلوب، وأحتاج الناس إلى مطر سنة فطلع إلى مغارة الدم ومعه نساء من محارمه، واستسقى ودعا، فجاء المطر حينئذ وجرت الأودية شيئاً لم يره الناس من مدة طويلة [4] وقال عبد الله بن النحاس: كان والدي يحب الشيخ أبا عمر، فقال لي يوم جمعة: أنا أصلي الجمعة خلف الشيخ، ومذهبي أن "بسم الله الرحمن الرحيم" من الفاتحة، ومذهبه، أنها ليست من الفاتحة، فمضينا إلى المسجد، فوجدنا الشيخ، فسلمّ على والدي وعانقه وقال: يا أخي صلَّ وأنت طيب القلب، فإنني ما تركتب "بسم الله الرحمن الرحيم" في فريضة ولا نافلة مذ أممت بالناس [5]. [1] البداية والنهاية (17/ 24). [2] شذرات الذهب (7/ 53). [3] المصدر نفسه (7/ 53). [4] المصدر نفسه (7/ 54) س. [5] المصدر نفسه (7/ 54).
اسم الکتاب : الأيوبيون بعد صلاح الدين المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 200