عليه والتحريض, وهيئوا له أسباب الجريض[1] وأرسل بذلك إلى الأحساء والحرمين والبصرة فلم ينل من مراده سوى الخزي والعار والحسرة, ولم يحصل من مراده بغير العثرة, ولقد كاد وشنع وعادى وجشر[2] علماء السوء ونادى وكذب عليه وبهت وزور وجد في دحض الهدى وشمر وسعى وفي إبطاله[3] وما قصر وبعث الطروس[4] منزعه بالباطل والمين[5] إلى علماء الحسا والبصرة والحرمين فقاموا معه فورا بالإنكار وأفتوا للحكام والسلاطين والأشرار بأن القائم بدعوة التوحيد ... ليس له في الحق تثبت ولا قرار, وأنه من لظى الجحيم والنار على شفا جرف هار، بل جزم أكثر علماء الأمصار في تلك الأزمان والأعصار بأن هذا المبين لآثار السلف الأخيار المتبع لهدي نبيه المختار من أقبح الضلال والفساق والكفار وأشر الخوارج والفجار, وحسبوا أنهم إذا حرشوا عليه الحكام يجدون في قتله ويجتهدون فيفوزون حينئذ بما كانوا يؤملون, ولقد عرفوا أن الذي جاء به الحق ولكنهم كانوا يكتمون: {يُرِيدُونَ أَنْ
1-الجريض الغصة واختلاف الفكين عند الموت "المعجم الوسيط [1]/117 مادة: الجريض" والجريض: الريق يغض به: يقال: جرض بريقه تَجْرَضُ, وهو أن يبتلع ريقه على هم وحزن, يقال: مات فلانا جريضا, أي مغموما وفي المثل "حال الجريض دون القريض" والقريض: الشعر, وأصله البعير. وحال: منع. يضرب المثل للأمر يقدر عليه اخيرا حين لا ينفع. وأصله ان رجلا كان له ابن نبغ في الشعر, فنهاه أبوه عن ذلك, فجاش به صدره, ومرض حتى أشرف على الهلاك فأذن له أبوه في قول الشعر, فقال هذا القول. "مجمع الأمثال [1]/251لأبي الفضل النيسابوري الميداني, قدم له وعلق عليه نعيم حسين زرزور –دار الكتب العلمية- بيروت ط/1 "1308هـ- 1988م".
2-جشر الرجل والبعير: أصابه سعال جاف فخشن صوته, ويقال: جشر صوته. فهو أجشر وهي جشراء, "المعجم الوسيط [1]/123 مادة: جشر".
3-الواو هنا زائدة.
4-الطرس: الصحيفة والكتاب الذي محي ثم كتب ج: طروس واطراس "المرجع السابق [2]/554 مادة الطرس".
5-سبق التعريف بها ص"43" هـ "5".
إنَّ هذا الذي أنا قمت به ودعوت إليه كلمة لا إله إلاَّ الله وأركان الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن أنت تمسكت به ونصرته فإن الله سبحانه يظهرك على أعدائك، فلا يزعجك سليمان ولا يفزعك فإنّي أرجو أن ترى من الظهور والتمكين والغلبة ما ستملك بلاده وما وراءها وما دونها، فاستحيا عثمان وأعرض عنه) [1].
وهكذا بذل الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب كل جهوده في سبيل إقناعه ولكن إذا سيطر على القلوب خوف زوال الدنيا فلا تؤثر حينذاك أي موعظة أو نصيحة[2].
ويقول ابن بشر: (ثم تعاظم في صدره أمر صاحب الإحساء وباع الآجل بالعاجل. وذلك لمَّا علم الله سبحانه الذي يعلم السر وأخفى يُعِزُّ من يشاء ويُذِلُّ من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير إنَّ نصر هذا الدين والظهور والغلبة والتمكين يكون لغيره وعلى يد غيره. فأرسل إلى الشيخ ثانياً) [3].
ويضيف ابن غنام فيقول: (فآثر عثمان الدنيا على الدين، وأمر الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالخروج من العيينة[4] فخرج الشيخ سنة سبع أو ثمان وخمسين [1] عنوان المجد في تاريخ نجد 1/10. [2] انظر الشيخ محمد بن عبد الوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه ص40. [3] عنوان المجد في تاريخ نجد 1/10. [4] ذكر ابن بشر في سياق حديثه عن خروج الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من العيينة قصة مفادها أنَّ عثمان بن معمر وكَّل بالشيخ محمد بن عبد الوهاب وقت خروجه مولى من مواليه ليقتله في الطريق إلاَّ أنَّ الله قذف في قلبه الرعب فلم يقتله. (انظر عنوان المجد في تاريخ نجد 1/11) وقد ذكر عبد الله بن خميس أنَّ ابن بشر عاد وأوضح في مبيضَّة كتابه وفي مخطوطته الخاصة الموجودة في المتحف البريطاني في لندن، أنَّ هذا الخبر لا صحة له وأنَّه اعتذر عمّا وضعه في المسودة، إلاَّ أنَّ من قام بطباعة الكتاب لم ينتبه إلى هذه الحقيقة فتناقل الناس هذا الخطأ. (انظر معجم اليمامة 2/205) .