اسم الکتاب : الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون المؤلف : محمد عزير شمس الجزء : 1 صفحة : 271
ولا ريب أَنَّه لا اعتبار بذم أعداء العالم؛ فإِنَّ الهوى والغضب يحملهم على عدم الإنصاف والقيام عليه. ولا اعتبار بمدح خواصه والغلاة فيه؛ فإِنَّ الحب يحملهم على تغطية هناته، بل قد يعدوها محاسن. وإنما العبرة بأهل الورع والتقوى من الطرفين، الَّذين يتكلمون بالقسط، ويقومون لله ولو على أنفسهم وآبائهم.
فهذا الرَّجل لا أرجو على ما قلته فيه دنيا ولا مالاً ولا جاهًا بوجه أصلاً، مع خبرتي التامة به، ولكن لا يسعني في ديني ولا عقلي أَن أكتم محاسنه، وأدفن فضائله، وأبرز ذنوبًا له مغفورة في سعة كرم الله تعالى وصفحه، مغمورة في بحر علمه وجوده، فاللهُ يغفر له، ويرضى عنه، ويرحمنا إِذا صرنا إِلى ما صار إِليه.
مع أني مخالفٌ له في مسائل أصلية وفرعية، قد أبديت آنفًا أَنَّ خطأه فيها مغفور، بل قد يثبته الله تعالى فيها على حسن قصده، وبذل وسعه، والله الموعد. مع أنِّي قد أوذيت لكلامي فيه من أَصحابه وأَضداده؛ فحسبي الله!.
وكان الشَّيخ أبيض، أسود الرأس واللحية، فليل الشيب، شعره إِلى شحمة أذنيه، كأن عينيه لسانان ناطقان، رَبْعَة من الرجال، بعيد ما بين المنكبين، جهْوَري الصوت، فصيحًا، سريع القراءة. تعتريه حِدَّة، ثمَّ يقهرها بحلم وصفح، وإليه كان المنتهى في فرط الشجاعة، والسماحة، وقوة الذكاء. ولم أرَ مثله في ابتهاله واستغاثته بالله تعالى، وكثرة توجهه. وقد تعبت بين الفريقين: فأنا عند محبه مُقصِّر، وعند عدوه مُسرف مُكثر، كلا والله!
توفي ابن تَيْميَّة إِلى رحمة الله تعالى معتقلاً بقلعة دمشق، بقاعةٍ بها،
اسم الکتاب : الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون المؤلف : محمد عزير شمس الجزء : 1 صفحة : 271