اسم الکتاب : الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون المؤلف : محمد عزير شمس الجزء : 1 صفحة : 189
وقاطع بعضهم وقاطعوه، ثم نازع طائفة أخرى ينتسبون من الفقر إِلى طريقةٍ، ويزعمون أَنهم على أدقَّ باطن منها وأَجْلى حقيقة، فكشف تلك الطرائق، وذكر لها - على ما زعم - بوائق، فآضت إلى الطائفة الأولى من منازعيه، واستعانت بذوي الضغن عليه من مقاطعيه، فوصلوا بالأمراء أَمره، وأعمل كل منهم في كفره فكره، فرتَّبوا محاضر، وأَلَّبوا الرويبضة للسَعي بها بين الأكابر، وسعوا لفي نقله إلى حضرة المملكة بالديار المصرية فنُقِل، وأُودع السجن ساعةَ حضوره واعتُقِل، وعقدوا لإراقة دمه مجالس، وحشدوا لذلك قومًا من عُمَّار وسكَّان المدارس، من مجامل في المنازعة، مخاتل بالمخادعة، ومن مجاهر بالتكفير مبارز بالمقاطعة، يسومونه ريب المنون، {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} [القصص/ 69].
وليس المجاهر بكفره بأسوأ حالاً من المخاتل، وقد دبّت إِليه عقارب مكره فردّ الله كيد كلٍّ في نحره، ونجاه على حد من اصطفا، والله غالب على أًَمره.
ثم لم يخل بعد ذلك من فتنة بعد فتنة، ولم ينتقل طول عمره من محنة إَلا إلى محنة، إلى أن فوِّض أمره لبعض القضاة فتقلَّد ما تقلَّد من اعتقاله، ولم يزل بمحبسه ذلك إلى حين ذهابه إلى ربه تعالى وانتقاله، وإلى الله ترجع الأمور، وهو المطّلع على خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وكان يومه مشهودًا، ضاقت بجنازته الطريق، وانتابها المسلمون من كلِّ فجٍّ عميق، يتبركون بمشهده يوم تقوم الأَشهاد، ويتمسكون بشرجعه [1] حتّى كسروا تلك الأَعواد!! وذلك في ليلة العشرين من ذي [1] أي: سريره. وهذا التبرُّك محرمٌ شرعًا! وهذا ما بيَّنه شيخ الإسلام في كتبه. انظر: "مجموع الفتاوى": (26/ 121).
اسم الکتاب : الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون المؤلف : محمد عزير شمس الجزء : 1 صفحة : 189