اسم الکتاب : جلال الدين السيوطي عصره وحياته وآثاره وجهوده في الدرس اللغوي المؤلف : طاهر سليمان حمودة الجزء : 1 صفحة : 197
مثلها إلى الحبشية أمر غير مقبول [1].
وكلمة «ابلعي» التي قال إن معناها: ازدردي بالحبشية، ثم ذكر نسبتها مرة أخرى إلى الهندية، مع أن الكلمة باشتقاقاتها مستعملة ومعروفة في العربية فنسبتها إلى الحبشية تحكم بغير دليل مقبول، فقد ذكر صاحب اللسان «بلع الشيء بلعا وابتلعه وتبلّعه ... جرعه، وبلع الطعام وابتلعه لم يمضغه، وأبلعه غيره»، وذكر غير ذلك من المشتقات التي تفيد استعمال المادة بمشتقاتها في العربية مذ عصور قديمة، ولا دليل على نسبة الكلمة إلى لغة سامية أخرى.
وكلمة «منسأة»، التي معناها «العصا» نسبها إلى الحبشية مرة وأخرى إلى الزنجية، وليست الحبشية بأولى من العربية في نسبة الكلمة إليها، فمادة «نسأ» مستعملة في العربية منذ القدم، وقد ذكر صاحب اللسان أن معناها الأول التأخير، وقال إن «المنسأة» العصا يهمز ولا يهمز، ينسأ بها، وأبدلوا إبدالا كليا فقالوا «منسأة» وأصلها الهمز ولكنها بدل لازم حكاه سيبويه وقد قرئ بهما جميعا، قال القراء في قوله عز وجل: تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ: هي العصا العظيمة التي تكون مع الراعي يقال لها المنسأة، أخذت من نسأت البعير أي زجرته ليزداد مسيره، وقد أورد صاحب اللسان جملة من الشواهد الشعرية المنسوبة إلى الجاهليين في استعمال هذه اللفظة. بل إن السيوطي قد نقل أن كلمة «كفّر» من «كفّر عنا سيئاتنا»، بمعنى «امح» عبرانية أو نبطية [1]، مع أن استعمالاتها العديدة بالعربية والتي ترجع معناها إلى الستر والتغطية كما هو مذكور بكتب اللغة بالإضافة إلى وفرة اشتقاقات مادتها يدحض القول بنسبتها إلى غير العربية، وإنما كل الاستعمالات التي تتفرع عن الأصل الأول يمكن أن يلحقها بعض التغيير عن الأصل تبعا لقوانين التطور الدلالي بأنواعه العديدة [3].
وكذلك كلمة «يحور» من قوله تعالى: إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ نقل السيوطي نسبتها إلى الحبشية لأنها بلغة الحبشة معناها يرجع، ونحن لا ننكر هذا المعنى أو وقوعه في الحبشية، ولكنا ننكر نسبة اللفظة إلى الحبشية فهي مستعملة منذ القدم [1] الشافعي: الرسالة ص 34، 35. [3] لسان العرب «مادة كفر».
اسم الکتاب : جلال الدين السيوطي عصره وحياته وآثاره وجهوده في الدرس اللغوي المؤلف : طاهر سليمان حمودة الجزء : 1 صفحة : 197