اسم الکتاب : جلال الدين السيوطي عصره وحياته وآثاره وجهوده في الدرس اللغوي المؤلف : طاهر سليمان حمودة الجزء : 1 صفحة : 144
آخذها عن شيخ، ودونها الطب، وأما علم الحساب فهو أعسر شيء علي وأبعده عن ذهني ... وقد كملت عندي الآن آلات الاجتهاد بحمد الله تعالى، أقول ذلك تحدثا بنعمة الله لا فخرا، وأي شيء في الدنيا حتى يطلب تحصيلها في الفخر وقد أزف الرحيل وبدا الشيب وذهب أطيب العمر؟، ولو شئت أن أكتب في كل مسألة مصنفا بأقوالها وأدلتها النقلية والقياسية ومداركها ونقوضها وأجوبتها والموازنة بين اختلاف المذاهب فيها لقدرت على ذلك من فضل الله لا بحولي ولا بقوتي فلا حول ولا قوة إلا بالله» [1].
وقد ألف السيوطي في جميع العلوم التي عددها مؤلفات تشهد بعلو قدره فيها، بيد أن هناك قلة من هذه العلوم المتنوعة استحوذت على الجانب الأكبر من اهتمامه، وكان لها أثر كبير في طبع عقليته بطابع معين، وفي توجيه منهجه، وسنتناول اشتغال السيوطي بهذه العلوم بعد قليل.
ويتصل بما نحن فيه من شمول عقليته واتساعها وتنوع مداركها ما قاله عن نفسه من بلوغ رتبة الاجتهاد، وقد سبق أن رأينا أن هذا القول قد جر عليه عداوات كثيرة وعرضه لكثير من النقد الذي وجه إليه من قبل خصومه، والحقيقة أن السيوطي لم يكن مدّعيا فيما نسبه إلى نفسه، فمصنفاته في الفقه تشهد بذلك، كما أنه لم يقصد الاجتهاد المستقل كالأئمة الأربعة وإنما قصد الاجتهاد المنتسب، وكان في فتواه يفتي بمذهب الشافعي ولا يذكر ما يمليه عليه اجتهاده خارج المذهب، وقد بين أنه ليس من شرط الاجتهاد في الفقه أن يكون صاحبه قد بلغ رتبة الاجتهاد في الحديث والاجتهاد في العربية [2]، وإنما يكتفي فيها بمرتبة أقل من ذلك، على أن السيوطي قد نص على بلوغه درجة الاجتهاد في الفقه والحديث والعربية وأن بلوغ رتبة الاجتهاد في الفقه قد وجدت عند كثير من العلماء، أما الجامعون للثلاثة فقليل، ومن قبله كان تقي الدين السبكي جامعا للثلاثة ولم يكن هناك بعد السبكي من اجتمعت له غيره [3]. [1] حسن المحاضرة ج 1 ص 190. [2] الشعراني: ذيل الطبقات الكبرى ورقة 7 ص 13. [3] المصدر السابق ورقة 6، 7 ص 12، 13.
اسم الکتاب : جلال الدين السيوطي عصره وحياته وآثاره وجهوده في الدرس اللغوي المؤلف : طاهر سليمان حمودة الجزء : 1 صفحة : 144