اسم الکتاب : طبقات النحويين واللغويين المؤلف : الزبيدي، أبو بكر الجزء : 1 صفحة : 263
مقعد نبيل، وحوله أكثر متأدبي بغداذ، يجري بينهم المثلُ والتمثل والكلام في المعاني، فسلَّمتُ وجلستُ حيث انتهى بي المجلس، وأنا في هيئة السَّفرِ، فلما كاد المجلس أن ينقضي قال لي: مَن الرجلُ؟ قلت: باغي أدب. قال: أهلًا وسهلًا، مِن أين تكونُ؟ قلتُ: من المغرب الأقصى. وانتسبتُ له إلى قرطبةَ. فقال لي: دارُ القومِ؟ قلتُ: نعم. قال لي: أتروي من شعر أبي المخشي شيئًا الذي قاله عندكم؟ قلتُ له: نعم. قال: فأنشدني. فأنشدته شعره في العمى، فلما بلغتُ:
كنت أبا للدرى إلَّا الدُّرا ... مافقأتْ عينيَّ إلَّا الدُّنا
قال: هذا الذي طلبتْه الشعراءُ فأضَلَّتْه. ثم قال: أنشدني لأبي الأجرب. فأنشدته، ثم قال: أنشدني لبكرٍ الكناني. فأنشدته، قال: شاعرُ البلدِ اليومَ عباسُ بنُ ناصحٍ؟ قلتُ: نعم. قال: فأنشدني له. فأنشدته:
* فأدتُ القريضَ ومَن ذا فأد *
قال لي: أنت عباسٌ؟ قلتُ: نعم. فنهض إليَّ فتلقَّيتُه، فاعتنقني إلى نفسه، وانحرف لي عن مجلسه، فقال له مَن حضر المجلسَ: مِن أين عرفتَه -أصلحك الله- في قسيم بيت؟ قال: إني تأملتُه عند إنشاده لغيره، فرأيتُه لا يبالي ما حدث في الشعر من استحسان أو استقباح، فلما أنشدني لنفسه استبنتُ عليه وَجْمةً، فقلتُ: إنَّه صاحبُ الشعرِ. قال عباسٌ: ثم أتممتُ الشعرَ، فقال: هذا شعر الغَربِ. ثم نقلني إلى نفسه، فكنتُ في ضيافته عامًا، ثم قدمَ عباسٌ الأندلسَ، فتكرر على الحكم بن هشام بالمديح، ثم تعرض للخدمة، فاستقضاه على الجزيرة.
اسم الکتاب : طبقات النحويين واللغويين المؤلف : الزبيدي، أبو بكر الجزء : 1 صفحة : 263