اسم الکتاب : عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية المؤلف : الغبريني الجزء : 1 صفحة : 120
نبله في القضاء ومعرفته بوجوه الرد والإمضاء، ما عجز عنه من تقدمه من القضاة، وكان مقدما في فصل الأحكام وعارفا بمواقعها على التمام، وكانت له صلابة وسياسة ووقوف مع الحق، وكان في مدة ولايته ببجاية بعض ظلمة العمال، وكان يوافقه الموافقة التي تحمد، ويسلك من سبيل السياسة ما يعينه على حصول المقصد؛ ولما انفصل جيش بجاية مع جيش افريقية لحصار مليانة وبقيت البلاد شاغرة، عاث المفسدون في الخارج وأفسدوه وامتدت الأيدي ووقع هرج عظيم، فقام بأمر الناس، ووقف خير موقف، وحفر الحفير على البلاد وشيد ما احتاج إلى التشييد من الأسوار، وظهر من عقله وفضله ونبله وجده واجتهاد ما حمد به أمره وجل به قدره، وبعد انقضاء هذا العارض ورجوع الجيش إلى الوطن، استدعى لحاضرة أفريقية وقدم للقضاء بها، فظهر من أمره بها أضعاف ما ظهر ببجاية، وفصل من الأحكام ما كان متلبسا في المدة الطويلة قبله، وظهر قاضيا عمليا محكما، وسما عند المستنصر بالله وجاوز الحد والقياس، ولم يزل يخلع ولاية القضاء بحاضرة افريقية ويلبسها خلعا أحسن من لبس، ولبسا أحسن من خلع، لأنه كان لا يخلعها إلا لمثلها وما هو أسنى منها، ولم يكن الخلع لشيء أصلا.
توجه إلى المغرب لبعض ملوكه عن المستنصر بالله، فكان يوصف من رياسته وعلو همته ما دل على فضيلته وانتخاب طينته، وكان محبوبا عند الناس لقربه منهم.
تخلى في آخر عمره، رحمه الله، وجلس للرواية والتصحيح إلى أن مات رحمه الله. ولقد أخبرني بعض الطلبة، إنه كان يروي عنه وبقي عليه قدر يسير من الكتاب الذي كان يرويه، فحضه رحمه الله على تكميله وقال له: انك قد لا تجدني بعد هذه الأيام، قال: ولم يقعد بعدها إلا قدر ثمانية أيام وتوفي رحمه الله.
رأيته ببجاية ولقيته بها ورأيته أيضا بتونس رؤية جيدة، واستفدت من أخلاقه ومن الاطلاع على أحكامه بحضوري مجلسه، ما انتفعت به كثيرا، ولد
اسم الکتاب : عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية المؤلف : الغبريني الجزء : 1 صفحة : 120