اسم الکتاب : لسان الميزان - ت أبي غدة المؤلف : العسقلاني، ابن حجر الجزء : 1 صفحة : 511
594 - أحمد بن عبد الله بن سليمان أبو العلاء المعري اللغوي الشاعر.
روى جزءًا عن يحيى بن مسعر، عَن أبي عَرُوبَة الحراني.
له شعر يدل على الزندقة سقت أخباره في تاريخي الكبير انتهى.
هو أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة أبو العلاء المعري اللغوي الشاعر المشهور وكان عجبا من الذكاء المفرط والاطلاع على اللغة.
ولد سنة ثلاث وستين وثلاث مِئَة وجدر في السنة الثالثة من عمره فعمى منه فكان يقول: لا أعرف من الألوان إلا الأحمر وأخذ العربية عن أصحاب ابن خالويه وعلى والده، ومُحمد بن عبد الله بن سعد النحوي.
وكان قانعا باليسير له وقف يحصل منه في العام نحو ثلاثين دينارا قرر منها لمن يخدمه النصف وكان غذاؤه العدس وحلاوته التين ولباسه القطن وفراشه لبادا.
وكان لا يحمل منة أحدا ولو تكسب بالمدح والشعر لنال دنيا ورياسة.
وسافر إلى بغداد سنة 399 فسمعوا منه ديوانه المعروف بسقط الزند وعاد إلى المعرة سنة أربع مِئَة فلزم منزله وسمى نفسه رهن المحبسين يعني منزله وبصره وقصد من النواحي ويقال: إنه كان يحفظ ما يمر بسمعه.
وسمع من يحيى بن مسعر التنوخي صاحب أبي عَرُوبَة جزءا ومن أبي الفتح محمد بن الحسين صاحب خيثمة وصار يملي تصانيفه ومكث بصعًا وأربعين سنة لا يأكل اللحم. -[512]-
ويروى أن صالح بن مرداس قصد المعرة وحاصرها فعصى أهلها عليه ثم فتحها فخرج إليه أبو العلاء ومدحه بأبيات فوهبها له وكان لا يأكل إلا في مغارة وحده منفردا وكان يعتذر إلى من يرحل إليه من الطلبة بأنه كان ليس له سعة وأهل اليسار بالمعرة يعرفون بالبخل.
وقال غرس النعمة بن الصابىء: حدثني الوزير أبو نصر بن جهير، حَدَّثَنا أبو نصر المنازي الشاعر قال: اجتمعت بأبي العلاء المعري فقلت له: ما هذا الذي يروى عنك ويحكى؟ قال حسدوني وكذبوا علي فقلت: على ماذا حسدوك وقد تركت لهم الدنيا والآخرة؟ فقال: والآخرة أيضًا! وتألم.
قال السلفي: من عجيب رأي أبي العلاء تركه تناول كل مأكول لا تنبته الأرض شفقة على الحيوانات حتى نسب إلى التبرهم وإنه يرى رأي البراهمة في إثبات الصانع وإنكار الرسل وفي شعره ما يدل على هذا المذهب وفيه ما يدل على غيره وكان لا يثبت على نحلة، وَلا يبقى على قانون واحد بل يجري مع القافية إذا حصلت كما تجيء قال: فأنشدني رئيس أبهر أبو المكارم الأسدي أنشدنا أبو العلاء لنفسه:
أقروا بالإله وأثبتوه ... وقالوا: لا نبي، وَلا كتاب.
ووطء بناتنا حل مباح ... رويدكم فقد بطل العتاب.
تمادوا في الضلال فلم يتوبوا ... فمذ سمعوا صليل السيف تابوا.
قال السلفي: ومما يدل على صحة عقيدته ما سمعت الخطيب حامد بن بختيار النميري سمعت القاضي أبا المهذب عبد المنعم بن أحمد السروجي سمعت أخي أبا الفتح دخلت على أبي العلاء بالمعرة في وقت خلوة بغير علم منه فسمعته ينشد شيئا ثم تأوه مرات وتلا آيات ثم صاح وبكى وطرح -[513]-
وجهه على الأرض ثم رفع رأسه ومسح وجهه وقال: سبحان من تكلم بهذا في القدم فصبرت ساعة ثم سلمت عليه فرد وقال: متى أتيت؟ فقلت: الساعة، فقلت: أرى في وجهك أثر غيظ فقال: لا يا أبا الفتح بل تلوت شيئا من كلام الخالق وأنشدت شيئا من كلام المخلوق فلحقني ما ترى فتحققت صحة دينه وقوة يقينه.
قال السلفي: وسمعت أبا المكارم بأبهر - وكان من أفراد الزمان ثقة مالكي المذهب - قال: لما توفي أبو العلاء اجتمع على قبره ثمانون شاعرا وختم في أسبوع واحد عند القبر مئتا ختمة.
قال السلفي: سمعت أبا زكريا التبريزي يقول: لما قرأت على أبي العلاء بالمعرة قوله:
يد بخمس ميء من عسجد فديت ... ما بالها قطعت في ربع دينار.
تناقض ما لنا إلا السكوت له ... وأن نعوذ بمولانا من النار.
سألته عن معناه فقال: هذا مثل قول الفقهاء: عبارة لا يعقل معناها.
قال السلفي: إن كان قال هذا الشعر معتقدا معناه: فالنار مأواه وليس له في الإسلام نصيب هذا إلى ما يحكى عنه في كتاب الفصول والغايات وكأنه معارضة منه للسور والآيات فقيل له: ليس هذا مثل القرآن فقال: لم تصقله المحاريب أربع مِئَة سنة.
قال السلفي: وفي الجملة كان من أهل الفضل الوافر والأدب الباهر والمعرفة بالنسب وأيام العرب قرأ القرآن بروايات وسمع الحديث بالشام على ثقات وله في التوحيد وإثبات النبوة وما يحض على الزهد شعر كثير والمشكل منه - على زعمه - له تفسير.
روى عنه أبو القاسم التنوخي وهو من أقرانه والخطيب أبو زكريا التبريزي وغالب بن عيسى الأنصاري والخليل بن عبد الجبار القزويني وأبو طاهر بن أبي الصقر وآخرون. -[514]-
وقال ابن الجوزي: حدثت، عَن أبي زكريا التبريزي قال: قال لي المعري مرة: ما الذي تعتقد؟ قال: فقلت: اليوم يظهر ما يخفيه، فقلت له: ما أنا إلا شاك قال: وهكذا شيخك.
وقال أبو يوسف عبد السلام القزويني: اجتمعت به مرة فقال لي: لم أهج أحدا قط قال: فقلت له: صدقت إلا الأنبياء فتغير وجهه.
وقال التبريزي: لما مات أنشد على قبره أربعة وثمانون شاعرا بمراثي فيه من جملتها لعلي بن همام:
إن كنت لم ترق الدماء زهادة ... فلقد أرقت اليوم من جفني دما.
وقال هلال بن الصابىء في تاريخه: بقي خمسا وأربعين سنة لا يأكل اللحم، وَلا البيض، وَلا اللبن ويقتصر على ما تنبت الأرض ويلبس خشن الثياب ويديم الصوم.
قال: ولقيه رجل فقال مالك لا تأكل اللحم؟ قال: أرحم الحيوان قال: فما تقول في السباع التي لا غذاء لها إلا الحيوان؟ فإن كان ذلك من جهة الخالق فما أنت بأرأف منه وإن كان من جهة الطبيعة فما أنت بأحذق منها، وَلا أتقن عملا.
قلت: ومعنى هذا الكلام دار بين المعري وبين أبي نصر بن أبي عمران الإمامي وكان الداعي إلى مذهب الفاطميين فراسل المعري يسأله عن سبب تركه اللحم فأجابه بما ذكر من الرأفة فرد عليه بنحو ذلك.
وقد طالعت ما دار بينهما واستفدت منه فيما يتعلق بترجمة المعري أنه ذكر عن نفسه قال: قضي علي وأنا ابن أربع لا أفرق بين البازل والربع قال: ومنيت في آخر عمري بالإقعاد وحكم الله علي بالإزهاد فصرت من العدا في جهاد. -[515]-
وقال في جوابه عن تركه أكل اللحم: قالوا: إن كان ربنا لا يريد إلا الخير فالشر لا يخلو من أمرين: إما أن يكون علمه أو لا وعلى الأول فإن كان يريده فيجب أن ينسب الفعل إليه وإن كان بغير إرادته جاز عليه ما لا يجوز على أصغر الأمراء لأنه لا يرضى أن يفعل في ولايته مالا يريد وهذه عقدة قد اجتهد المتكلمون في حلها فأعوزهم.
وقال في هذه الرسالة: إنه لما بلغ ثلاثين عاما سأل ربه أن يرزقه صوم الدهر ففعل وظن أن اقتناعه بالنبات يثبت له جميل العاقبة ثم قال: والذي حثني على ذلك أن لي في السنة نيفا وعشرين دنيارا فإذا أخذ خادمي نصفه بقي لي ما لا يفي إلى أن قال: ولست أريد في رزقي زيادة، وَلا أوثر لسقمي عيادة.
ومات في ربيع الأول سنة تسع وأربعين وأربع مِئَة ومن شعره المؤذن بانحلاله في كتابه لزوم مالا يلزم:
قران المشتري زحلا يرجى ... لإيقاظ النواظر من كراها.
تقضي الناس جيلا بعد جيل ... وخلفت النجوم كما تراها.
تقدم صاحب التوراة موسى ... وأوقع بالخسار من اقتراها.
فقال رجاله: وحي أتاه ... وقال الآخرون: بل افتراها.
وما حجي إلى أحجار بيت ... كؤوس الخمر تشرب في ذراها.
إذا رجع الحكيم إلى حجاه ... تهاون بالشرائع وازدراها.
ومنه:
وإنما حمل التوراة قارئها ... كسب الفوائد لا حب التلاوات.
وهل أبيحت نساء الروم عن عرض ... للعرب إلا بأحكام النبوات؟!.
ومنه:
أتى عيسى فبطل شرع موسى ... وجاء محمد بصلاة خمس. -[516]-
وقالوا: لا نبي بعد هذا ... فضل القوم بعد غد وأمس.
ومهما عشت في دنياك هذي ... فما تخليك من قمر وشمس.
إذا قلت المحال رفعت صوتي ... وإن قلت الصحيح أطلت همسي.
ومنه:
هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدت ... ويهود حيرى والمجوس مضللة.
اثنان أهل الأرض: ذو عقل بلا ... دين وآخر دين لا عقل له.
ومنه:
دين وكفر وأنباء يقال وفر ... قان ينص وتوراة وإنجيل.
في كل جيل أباطيل يدان بها ... فهل تفرد يوما بالهدى جيل.
وأشعاره في المدح والغزل والرثاء التي في سقط الزند في نهاية الجودة وأما في لزوم ما لا يلزم وفي استغفر واستغفري فمتوسط وتصانيفه في اللغة والأدب أكثر من مئتي مجلد.
اسم الکتاب : لسان الميزان - ت أبي غدة المؤلف : العسقلاني، ابن حجر الجزء : 1 صفحة : 511