كذلك أيضًا أسلوب القصة، وهو أسلوب من أوسع أساليب القرآن في التوحيد وغيره، وقد عُني القرآن بهذا الأسلوب وأكثرَ منه؛ لما في القصة من تأثير في النفوس، وسهولة في الحفظ، وانتشار وذيوع بين الناس.
وأوضح مثال لذلك قصة إبراهيم -عليه السلام- مع قومه وأصنامهم وتحطيمه لها، وتقريره للتوحيد من خلال المشاهد المتتابعة، التي جرت بينه وبين قومه، كما قصَّ الله علينا ذلك في عديد من سور القرآن، كالشعراء والصافات والأنبياء، ومنها أنه بعد أن حطم الأصنام سألوه عليه السلام، فسخر منهم وأحالهم إلى الأصنام، فرجعوا إلى أنفسهم يتلاومون.
ثم كان ما قصه القرآن الكريم: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (الأنبياء: 65 - 67).
وفي هذا تقرير للتوحيد بأبلغ أسلوب وأقواه، ونفي للشرك على أتم وجه وأوفاه، فضلًا عما فيه من تحقير للأصنام، وسخرية بالغة بعُبّادها الذين ألغوا عقولهم، وخروا عليها صمًّا وعميانًا.
الاستدلال القرآني على توحيد الله -سبحانه وتعالى-
أولًا: اهتمام القرآن بإقامة الدليل:
والدليل هو ما يُتوصل به إلى معرفة صحة الشيء وصدقه، أو إثبات هذه الصحة بطريق من طرق الإثبات، ولقد جاء القرآن الكريم يقرر مبادئ وتعاليم، ويقيم عليها دلائل صدقها وصحتها، ويحثّ الناس على طلب الدليل وفهم البراهين. وقد استوعب القرآن الكريم الاستدلال على صحة عقيدة الوحدانية، وأنها الحق المبين، وأن كل شريك أو معبود مع الله هو كذب وافتراء، بل كلها أصنام وأوهام لا حق فيها، بل لا حقيقة لها في باب الألوهية.