اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 98
البقرة (47 - 45)
ولا تهتدي ... ألا إنّ ذلك لا ينفعُ ... فيا حَجَرَ الشَّحْذ حتى متى ... تسُنُّ الحديدَ ولا تقطع فلما سمعه الواعظ شهَق شهقة فخر من فرسه مفشيا عليه فحلموه إلى بيته فتُوفّي إلى رحمة الله سبحانه
{واستعينوا بالصبر والصلاة} متصلٌ بما قبله كأنهم لما كُلفوا ما فيه من ترك الرياسةِ والإعراضِ عن المال عولجوا بذلك والمعنى استعينوا على حوائجكم بانتظار النُّجْحِ والفرَج توكلاً على الله تعالى أو بالصوم الذي هو الصبرُ عن المفطِرات لما فيه من كسر الشهوةِ وتصفيةِ النفس والتوسل في الصلاة والاتجاء إليها فإنها جامعةٌ لأنواع العبادات النفسانية والبدنية من الطهارة وسترِ العورة وصرفِ المال فيهما والتوجهِ إلى الكعبة والعكوفِ على العبادة وإظهارِ الخشوعِ بالجوارحِ وإخلاصِ النية بالقلب ومجاهدةِ الشيطان ومناجاة الحقِّ وقراءةِ القرآنِ والتكلمِ بالشهادة وكفِّ النفسِ عن الأطيبَيْنِ حتى تجابوا إلى تحصيل المآرب وجبر المصائب روي أنه عليه السلام كان إذا حزَبه أمرٌ فزِعَ إلى الصلاة ويجوزُ أنْ يُرادَ بها الدعاء
{وَإِنَّهَا} أي الاستعانةَ بهما أو الصلاة وتخصيصَها بردِّ الضمير إليها لعِظم شأنِها واشتمالِها على ضروبٍ من الصبر كما في قوله تعالى {وَإِذَا رَأَوْاْ تجارة أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا} أو جُملةِ ما أُمروا بها ونُهوا عنها
{لَكَبِيرَةٌ} لثقيلة شاقةٌ كقوله تعالَى {كَبُرَ عَلَى المشركين مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ}
{إِلاَّ عَلَى الخاشعين} الخشوعُ الإخباتُ ومنه الخشْعةُ للرملة المتطامنةِ والخضوعُ اللين والانقيادُ ولذلك يقال الخشوعُ بالجوارح والخضوعُ بالقلب وإنما لم تثقُلْ عليهم لأنهم يتوقعون ما أُعد لهم بمقابلتها فتهونُ عليهم ولأنهم يستغرقون في مناجاة ربِّهم فلا يُدركون ما يجري عليهم من المشاقِّ والمتاعبِ ولذلك قال عليه السلام وقرة عيني في الصَّلاة والجملةُ حاليةٌ أو اعتراضٌ تذييلي
{الذين يظنون أنهم ملاقو رَبّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجعون} أي يتوقعون لقاءَه تعالى ونيلَ ما عنده من المثوبات والتعرضُ لعنوانِ الربوبيةِ مع الإضافة إليهم للإيذان بفيضَان إحسانِه إليهم أو يتيقنون أنهم يُحشرون إليه للجزاءِ فيعمَلون على حسب ذلك رغبةً ورهبة وأما الذين لا يوقنون بالجزاء ولا يرجُون الثوابَ ولا يخافون العقابَ كانت عليهم مشقةً خالصةً فتَثْقُلُ عليهم كالمنافقين والمرائين فالتعرُضُ للعنوان المذكور للإشعار بعلِّية الربوبيةِ والمالكيةِ للحُكْم ويؤيده أن في مصحف ابن مسعودٍ رضي الله عنه يعملون وكأن الظنَّ لما شابه العلم في الرُّجحان أطلق عليه لتضمين معنى التوقع قال
فأرسلْتُه مستيقِنَ الظنِّ إنه ... مخالطُ ما بين الشراسيفِ جائفُ
وجعل خبر إن في الموضعين اسماً للدلالة على تحقيق اللقاء والرجوعِ وتقرُّرِهما عندهم
{يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التى أنعمت عَلَيْكُمْ} كُرر التذكيرُ للتأكيد ولربط ما بعده من الوعيد الشديدِ به
{وَأَنّى فَضَّلْتُكُمْ} عطفٌ على نعمتيَ عطف الخاصِّ على العام لكماله أي فضلتُ آباءَكم
{عَلَى العالمين} أي عالَمِي زمانِهم بما منحتُهم من العلم والإيمانِ والعملِ الصالحِ وجعلتُهم أنبياءَ وملوكاً مُقسِطين وهم آباءهم
اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 98