اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 91
البقرة (36)
لهما عذرٌ في تناول ما منعا منه بقوله تعالى
{وَلاَ تَقْرَبَا} بفتح الراء من قرِبْتُ الشيء بالكسر أقربه بالفتح إذ التيست به وتعرضتُ له وقال الجوهري قَرُبَ بالضم يَقْرُبُ قُرْباً إذا دنا وقَرِبْتُه بالكسر قُرْبَاناً دنوتُ منه
{هذه الشجرة} نصبٌ على أنه بدل من اسم الإشارةِ أو نعتٌ له بتأويلها بمشتقٍ أي هذه الحاضرة من الشجرة أي لاتأكلا منها وإنما عُلّق النهي بالقُربان منها مبالغةً في تحريم الأكلِ ووجوب الاجتناب عنه والمرادُ بها الحنطةُ أو العِنبَةُ أو التينة وقيل هي شجرةٍ مَنْ أكلَ منها أحْدَث والأَوْلى عدمُ تعيينها من غير قاطع وقرئ هذا بالياء وبكسر شين الشِّجَرة وتاء تقربا وقرئ الشِيَرةَ بكسر الشين وفتح الياء
{فَتَكُونَا مِنَ الظالمين} مجزوم على أنه معطوفٌ على تقرَبا أو منصوبٌ على أنه جواب للنهي واياما كان فالقُرب أي الأكلُ منها سببٌ لكونهما من الظالمين أي الذين ظلموا أنفسَهم بارتكاب المعصية أو نقَصوا حظوظَهم بمباشرة ما يُخِلُّ بالكرامة والنعيم أو تعدَّوا حدود الله تعالى
{فَأَزَلَّهُمَا الشيطان عَنْهَا} أي أصدر زلَّتَهما أي زلَقَهما وحملهما على الزلة بسببها ونظيره عن هذا ما في قوله تعالى {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى} أو أزلهما عن الجنة بمعنى أذهبَهما وأبعدهما عنها يقال زلَّ عني كذا إذا ذهب عنك ويعضدُه قراءة أزالهما وهما متقاربان في المعنى فإن الإزلالَ أي الإزلاق يقتضي زوالَ الزال عن موضعه ألبتة وإزلالُه قوله لهما هل ادلكم على شَجَرَةِ الخلد وَمُلْكٍ لاَّ يبلى وقوله مَا نهاكما رَبُّكُمَا عَنْ الشجرة إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين ومقاسَمتُه لهما إِنّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين وهذه الآياتُ مشعرةٌ بأنه عليه السلام لم يؤمر بسُكنى الجنةِ على وجه الخلود بل على وجه التكرمةِ والتشريفِ لما قُلِّد من خلافة الأرض إلى حين البعث إليها واختُلف في كيفية توصُّله إليهما بعدَ ما قيلَ له اخرج مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ فقيل إنه إنما مُنع من الدخول على وجه التكرمة كما يدخُلها الملائكةُ عليهم السلام ولم يُمنَعْ من الدخول للوسوسة ابتلاءً لآدمَ وحواءَ وقيل قام عند الباب فناداهما وقيل تمثل بصورة دابةٍ فدخل ولم يعرِفْه الخَزَنة وقيل دخل في فم الحية فدخَل معها وقيل أرسل بعضَ أتباعه فأزلّهما والعلم عند الله سبحانه
{فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} أي من الجنة إن كان ضمير عنها للشجرة والتعبير عنها بذلك للإيذان بفخامتها وجلالتِها وملابستِهما له أي من المكان العظيم الذي كانا مستقِرَّيْن فيه أو من الكرامة والنعيم إن كان الضميرُ للجنة
{وَقُلْنَا اهبطوا} الخطابُ لآدمَ وحواءَ عليهما السلام بدليل قوله تعالى {اهبطا مِنْهَا جَمِيعاً} وجُمعَ الضمير لأنهما أصلُ الجنس فكأنهما الجنسُ كلُّهم وقيل لهما وللحية وإبليسَ على انه اخرج منها ثانية بعد ما كان يدخلها للوسوسة أو يدخلها مسارقة أو اهبط من السماء وقرئ بضم الباء
{بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} حالٌ استغني فيها عن الواو بالضمير أي متعادِين يبغي بعضُكم على بعض بتضليله أو استئنافٌ لا محلَّ له من الإعراب وإفراد العدوّ إما للنظر إلى لفظ البعض وإما لأن وزانة وازن المصدر كالقبول
{وَلَكُمْ فِى الارض} التي هي محلُّ الإهباط والظرفُ متعلقٌ بما تعلَّق بهِ الخبرُ أعني لكم من
اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 91