اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 79
البقرة (30)
من خلقِ السمواتِ والأرضِ وما فيها على هذا النمط البديعِ المنطوي على الحِكَم الفائقةِ والمصالحِ اللائقة فإن علمه عز وجل بجميع الأشياءِ ظاهرِها وباطنِها بارزِها وكامنِها وما يليق بكل واحد منها يستدعي أن يخلُق كلَّ ما يخلُقه على الوجه الرائق وقرئ وهْو بسكون الهاء تشبيهاً له بعَضْد
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ} بيان لأمرٍ آخرَ من جنس الأمورِ المتقدمةِ المؤكدةِ للإنكار والاستبعادِ فإن خلقَ آدمَ عليه السلام وما خصّه به من الكرامات السنية المحْكية من أجل النعم الداعيةِ لذريته إلى الشكر والإيمان الناهيةِ عن الكفرِ والعصيان وتقريرٌ لمضمونِ ما قبله من قوله تعالى {خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الارض جَمِيعاً} وتوضيحٌ لكيفية التصرفِ والانتفاعِ بما فيها وتلوينُ الخطاب بتوجيهه إلى النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم خاصةً للإيذان بأن فحوى الكلامِ ليس مما يهتدى إليه بأدلة العقلِ كالأمور المشاهدة التي نبه عليها الكفَرَةَ بطريق الخطاب بل إنما طريقُه الوحيُ الخاصُّ به عليه السلام وفي التعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن التبيلغ الى الكمال مع الضافة إلى ضميرِه عليهِ السَّلامُ من الإنباء عن تشريفه عليه السلام ما لا يخفى وإذْ ظرفٌ موضوعٌ لزمانِ نسبةٍ ماضيةٍ وقعَ فيه نسبةٌ أخرى مثلها كما أن إذا موضوعٌ لزمانِ نسبةٍ مستقبلةٍ يقع فيه أخرى مثلُها ولذلك يجب إضافتُهما إلى الجمل وانتصابه بمُضمرٍ صُرِّح بمثله في قولِه عزَّ وجلَّ {واذكروا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ} وقوله تعالى {واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ} وتوجيهُ الأمر بالذكر إلى الوقت دون ما وقع فيه من الحوادث مع أنها المقصودةُ بالذات للمبالغة في إيجاب ذكرِها لما أن إيجابَ ذكر الوقت إيجابٌ لذكر ما وقع فيه بالطريق البرهانيِّ ولأن الوقتَ مشتملٌ عليها فإذا استُحضِر كانت حاضرةً بتفاصيلها كأنها مشاهَدةٌ عِياناً وقيل ليس انتصابُه على المفعولية بل على تأويل اذكُرِ الحادث فيه بحذف المظروفِ وإقامةِ الظرفِ مقامه وأياما كان فهو معطوفٌ على مضمر آخرَ ينسحبُ عليه الكلامُ كأنَّه قيل له عليه السَّلامُ غب ماأوحى إليه ما خوطب به الكفرةُ من الوحي الناطقِ بتفاصيل الأمورِ السابقةِ الزاجرة عن الكفر به تعالى ذكِّرهم بذلك واذكُرْ لهم هذه النعمةَ ليتنبهوا بذلك لبطلان ما هم فيه وينتهوا عنه وأما ما قيل من أن المقدَّرَ هواشكر النعمةَ فِى خَلْقِ السمواتِ والأرض أو تدبَّرْ ذلك فغيرُ سديدٍ ضرورةَ أن مقتضى المقام تذكير المخلين بمواجب الشكرِ وتنبيهُهم على ما يقتضيه وأين ذاك من مقامه الجليل صلى الله عليه وسلم وقيل انتصابُه بقوله تعالى قالوا ويأباه أنه يقتضي أن يكون هو المقصودَ بالذات دون سائرِ القصة وقيل بما سبقَ من قولِه تعالى {وَبَشّرِ الذين آمنوا} ولا يخفى بُعدُه وقيل بمضمرٍ دلَّ عليه مضمونُ الآية المتقدمة مثل وبدأ خلقَكم إذ قال الخ ولا ريب في أنه لا فائدةَ في تقييد بدءِ الخلقِ بذلك الوقت وقيل بخلقكم أو بأحياكم مضمراً وفيه ما فيه وقيل إذْ زائدة ويْعزى ذلك إلى أبي عبيد ومَعْمَر وقيل إنه بمعنى قد واللامُ في قوله عز قائلاً
{للملائكة} للتبليغ وتقديمُ الجارِّ والمجرور في هذا الباب مطَّرِدٌ لما في المقول من الطول غالباً مع ما فيه من
اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 79