اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 50
البقرة (17)
المذكور والأَوْلى عطفُها على اشتروا الخ
{مّثْلُهُمْ} زيادة كشف لحالهم وتصوير لها غِبَّ تصويرِها بصورة ما يؤدي إلى الخساربحسب المآل بصورة ما يفضي إلى الخَسار من حيث النفسُ تهويلاً لها وإبانةً لفظاعتها فإن التمثيلَ ألطفُ ذريعةٍ إلى تسخير الوهم للعقل واستنزالِه من مقام الاستعصاء عليه وأقوى وسيلةٍ إلى تفهيم الجاهل الغبي وقمع سورة الجامع الآبي كيف لا وهو رفعُ الحجاب عن وجوه المعقولات الخفية وإبرازٌ لها في معرض المحسوسات الجلية وإبداءٌ للمنكر في صورة المعروف وإظهارٌ للوحشي في هيئة المألوف والمَثَل في الأصل بمعنى المِثْل والنظير يقال مِثْل ومَثَل ومثيل كشِبْهٍ وشَبَه وشبيه ثم أطلق على القول السائر الذي يُمثّل مضرِبُه بمورده وحيثُ لم يكن ذلك إلا قولاً بديعاً فيه غرابةٌ صيَّرتْه جديراً بالتسيير في البلاد وخليقاً بالقبول فيما بين كل حاضرٍ وباد استعير لكل حال أو صفةٍ أو قصة لها شأن عجيب وخطرٌ غريب من غير أن يلاحَظ بينها وبين شيءٍ آخرَ تشبيهٌ ومنه قوله عز وجل {وَلِلَّهِ المثل الاعلى} أي الوصفُ الذي له شأن عظيم وخطر جليل وقوله تعالى {مَّثَلُ الجنة التى وُعِدَ المتقون} أي قصتها العجيبةُ الشأن {كَمَثَلِ الذى} أي الذين كما في قوله تعالى {وَخُضْتُمْ كالذي خَاضُواْ} خلا أنه وُحِّد الضَّمير في قولِه تعالى {استوقد نَاراً} نظراً إلى الصورة وإنما جاز ذلك مع عدم جوازِ وضعِ القائمِ مَقام القائمين لأن المقصود بالوصف هي الجملة الواقعةُ صلةً له دون نفسه بل إنما هو وصلة لوصف المعارف بها ولأنه حقيق بالتخفيف لاستطالته بصلته ولذلك بولغ فيه فحُذف ياؤه ثم كسرتُه ثم اقتُصر على اللام في أسماء الفاعلين والمفعولين ولأنه ليس باسم تام بل هو كجزئه فحقه ان لايجمع ويستوي فيه الواحد والمتعدد كما هو شأن أخواته وليس الذين جمعَه المصحح بل النونُ فيه مزيدة للدلالة على زيادة المعنى ولذلك جاء بالياء أبداً على اللغة الفصيحة أو قصد به جنسُ المستوقد أو الفوجُ أو الفريقُ المستوقد والنارُ جوهرٌ لطيف مُضيء حارٌّ محرق واشتقاقها من نارينور إذا نفَر لأن فيها حركة واضطراباً واستيقادُها طلبُ وُقودها أي سطوعها وارتفاع لهبها وتنكيرها للتفخيم {فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ} الإضاءة فرطُ الإنارة كما يعرب عنه قوله تعالى {هُوَ الذى جَعَلَ الشمس ضِيَاء والقمر نُوراً} وتجيء متعدية ولازمة والفاء للدلالة على ترتبها على الاستيقاد أي فلما أضاءت النار ما حول المستوقد أو فلما أضاء ما حوله والتأنيث لكونه عبارةً عن الأماكن والأشياء أو أضاءت النارُ نفسها فيما حوله على أن ذلك ظرف لإشراق النارِ المنزّلِ منزلتَها لا لنفسها أو ما مزيدةٌ وحوله ظرف وتأليفُ الحول للدوران وقيل للعام حَوْلٌ لأنه يدور {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ} النور ضوءُ كل نيِّر واشتقاقه من النار والضمير للذي والجمع باعتبار المعنى أي أطفأ الله نارهم التي هي مدار نورِهم وإنما علق الإذهاب بالنور دون نفس النار لأنه المقصود بالإستيقاد لاالاستدفاء ونحوه كما ينبئ عنه قوله تعالى {فَلَمَّا أَضَاءتْ} حيث لم يقل فلما شب ضِرامُها أو نحو ذلك وهو جوابُ لمّا أو استئنافٌ أجيب به عن سؤال سائل يقول
اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 50