اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 259
{وَمَثَلُ الذين يُنفِقُونَ أموالهم ابتغاء مرضات الله} أي لطلب رضاه
{وَتَثْبِيتًا مّنْ أَنفُسِهِمْ} أي ولتثبيت بعضِ أنفسِهم على الإيمان فمن تبعيضية كما في قولهم هزّ مِنْ عِطفه وحرك مِنْ نشاطه فإن المالَ شقيقُ الروح فمن بذل مالَه لوجه الله تعالى فقد ثبّت بعضَ نفسه ومن بذل مالَه وروحَه فقد ثبتها كلها أو وتصديقا للإسلام وتحقيقاً للجزاء من أصل أنفسِهم فمن ابتدائية كما في قوله تعالى حَسَدًا مّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ويحتمل أن يكون المعنى وتثبيتاً من أنفسهم عند المؤمنين أنها صادقةُ الإيمان مخلصةٌ فيه ويعضُده قراءةُ مَن قرأَ وتبييناً من أنفسهم وفيه تنبيهٌ على أن حكمةَ الإنفاق للمنفق تزكيةُ النفس عن البخل وحبِّ المال الذي هو رأس كل خطيئة
{كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} الرَّبوة بالحركات الثلاث وقد قرئت بها المكانُ المرتفع أي مثل نفقتهم في الزكاة كمثل بُستان كائنٍ بمكان مرتفعٍ مأمونٍ من أن يصطلِمَه البردُ لِلطافة هوائهِ بهبوب الرياحِ المُلطّفة له فإن أشجارَ الرُبا تكون أحسنَ منظراً وأزكى ثمراً وأما الأراضي المنخفضةُ فقلما تسلم ثمارُها من البرد لكثافة هوائِها بركود الرياحِ وقرئ كمثل حبةٍ
{أَصَابَهَا وَابِلٌ} مطر عظيمُ القطر
{فَأَتَتْ أكلها} ثمرتها وقرئ بسكون الكاف تخفيفاً
{ضِعْفَيْنِ} أي مِثليْ ما كانت تُثمر في سائر الأوقات بسبب ما أصابها من
265 - البقرة أقبل عليهم بالخطاب إثرَ بيان ما بين بطريق الغَيبة مبالغةً في إيجاب العمل بموجب النهي
{لاَ تُبْطِلُواْ صدقاتكم بالمن والأذى} أي لاتحبطوا أجرَها بواحدٍ منهما
{كالذى} في محل النصب إما على أنه نعتٌ لمصدر محذوفٍ أي لاتبطلوها إبطالا كإبطال الذي
{يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء الناس} وإما على أنه حال من فاعل لاتبطلوا أي لا تُبطلوها مشابهين الذي ينفق أي الذي يُبطل إنفاقَه بالرياء وقيل من ضمير المصدر المقدر على ما هو رأى سيبوبه وانتصابُ رئاءَ إما على أنه عِلةٌ لينفق أي لأجل رئائهم أو على أنه حالٌ من فاعله أي ينفق ماله مرائياً والمراد به المنافقُ لقوله تعالى
{وَلاَ يُؤْمِنُ بالله واليوم الآخر} حتى يرجوا ثواباً أو يخشى عقاباً
{فَمَثَلُهُ} الفاء لربط ما بعدها بما قبلها أي فمثل المرائي في الإنفاق وحالته العجيبة
{كَمَثَلِ صَفْوَانٍ} أي حَجَرٍ أملسَ
{عَلَيْهِ تراب} أي شئ يسير منه
{فَأَصَابَهُ وَابِلٌ} أي مطرٌ عظيمُ القطر
{فتركه صلدا} ليس عليه شئ من الغبار أصلاً
{لاَّ يَقْدِرُونَ على شَىْء مّمَّا كَسَبُواْ} لا ينتفعون بما فعلوا رئاء ولا يجدون له ثواباً قطعاً كقوله تعالى فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً والجملةُ استئنافٌ مبنيٌّ على السؤالِ كأنَّه قيلَ فماذا يكونُ حالُهم حينئذٍ فقيل لا يقدِرون الخ ومن ضرورة كونِ مَثَلِهم كما ذُكر كونُ مَثَلِ من يُشبِهُهم وهم أصحابُ المن والأذى كذلك والضميران الأخيران للموصول باعتبار المعنى كما في قوله عز وجل وَخُضْتُمْ كالذي خَاضُواْ لما أنَّ المرادَ به الجنسُ أو الجمعُ أو الفريق كما أن الضمائرَ الأربعةَ السابقة له باعتبار اللفظ
{والله لاَ يَهْدِى القوم الكافرين} إلى الخير والرشاد والجُملة تذييلٌ مقرِّرٌ لمضمونِ ما قبله وفيه تعريضٌ بأن كلاًّ من الرياء والمنِّ والأذى من خصائص الكفارِ ولا بد للمؤمنين أن يجتنبوها
اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 259