اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 232
{وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} خطابٌ للكل
{فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ} التعريضُ والتلويحُ إبهامُ المقصودِ بما لم يوضَعْ له حقيقةً ولا مجازاً كقول السائل جئتُك لأُسلِّم عليك وأصلُه إمالةُ الكلام عن نهجه إلى عُرُضٍ منه أي جانب والكناية هي الدِلالةُ على الشيء بذكر لوازمِه وروادِفه كقولك طويلُ النِّجاد للطويل وكثيرُ الرماد للمِضْياف
{مِنْ خِطْبَةِ النساء} الخِطبة بالكسر كالقِعدة والجِلسة ما يفعلُه الخاطبُ من الطلب والاستلطاف بالقول والفعل فقيل هي مأخوذةٌ من الخَطْب أي الشأن الذي له خطرٌ لما أنها شأن من الشئون ونوع من الخُطوب وقيل من الخطاب لأنها نوعُ مخاطبة تجري بين جانب الرجل وجانب المرأة والمرادُ بالنساء المعتداتُ للوفاة والتعريضُ لخطبتهن أن يقول لها إنك لجميلةٌ أو صالحةٌ أو نافعة ومن غرضي أن أتزوَّجَ ونحوُ ذلك مما يوهم أنه يريد نِكاحَها حتى تحبِسَ نفسَها عليه إن رغبت فيه ولا يصرح بالنكاح
{أَوْ أَكْنَنتُمْ فِى أَنفُسِكُمْ} أي أضمرتم في قلوبكم فلم تذكروه تصريحاً ولا تعريضاً
{عَلِمَ الله أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ} ولا تصبِرون على السكوت عنهن وعن إظهار الرغبة فيهن وفيه نوعُ توبيخٍ لهم على قلة التثبت
{ولكن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّا} استدراك عن محذوفٌ دل عليه سَتَذْكُرُونَهُنَّ أي فاذكُروهن ولكن لا تواعدوهن نِكاحاً بل اكتفوا بما رُخّص لكم من التعريض والتعبيرُ عن النكاح بالسر لأن مُسبَّبَه الذي هو الوطء مما يُسرّ به وإيثارُه على اسمه للإيذان بأنه مما ينبغي أن يُسرّ به ويكتَم وحملُه على الوطء ربما يُوهم الرُّخصة في المحظور الذي هو التصريحُ بالنكاح وقيل انتصابُ سراً على الظرفية أي لا تواعدوهن في السر على أَنَّ المرادَ بذلكَ
235 - البقرة أي يتربصن بعدَهم كَما في قولِهم السمنُ مَنَوانِ بدرهم أي مَنَوانِ منه وقرئ يَتَوفون بفتح الياء أي يستوفون آجالهم وتأنيث العشر باعتبار الليالي لأنها غُررُ الشهور والأيام ولذلك تراهم لا يكادون يستعملون التذكير في مثله أصلاً حتى إنهم يقولون صُمت عشراً ومن البين في ذلك قولُه تعالى إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً ثم ان لبثتم الايوما ولعل الحكمةَ في هذا التقديرِ أن الجنينَ إذا كان ذكراً يتحرك غالباً لثلاثة أشهر وإن كان أنثى يتحرك لأربعة فاعتُبر أقصى الأجلين وزيد عليه العشر استظهاراً إذ ربما تضعف الحركة فلا يُحس بها وعمومُ اللفظ يقتضي تساوي المسلمة والكتابية والحرة والأمة في هذا الحكم ولكن القياسَ اقتضى التنصيفَ في الامة وقوله عز وجل وأولات الاحمال خَصَّ الحاملَ منه وعن علي وابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهم أنها تعتدُّ بأبعد الأجلين احتياطاً
{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} أي انقضت عدتُهن
{فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} أيها الحكامُ والمسلمون جميعاً
{فِيمَا فَعَلْنَ فِى أَنفُسِهِنَّ} من التزيُّن والتعرُّض للخُطّاب وسائرِ ما حُرِّم على المعتدة
{بالمعروف} بالوجه الذي لا ينكره الشرعُ وفيه إشارةٌ إلى أنهن لو فعلن ما ينكره الشرعُ فعليهم أن يكفّوهن عن ذلك وإلا فعليهم الجُناحُ
{والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} فلا تعملوا خلافَ ما أُمرتم به
اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 232