اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 183
البقرة (163 - 161)
وحيث كانت هذه التوبة المقرونةُ بالإصلاح والتبيين مستلزمةً للتوبة عن الكفر مبنية عليها لم يصرَّحْ بالإيمان وقولُه تعالى
{أولئك} إشارةٌ إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة للإشعار بعلّيته للحكم والفاءُ لتأكيد ذلك
{أَتُوبُ عَلَيْهِمْ} أي بالقَبول وإفاضةِ المغفرةِ والرحمةِ وقولُه تعالَى
{وَأَنَا التواب الرحيم} أي المبالغُ في قبول التوْب ونشرِ الرحمةِ اعتراضٌ تذييليٌّ محققٌ لمضمون ما قبله والالتفاتُ إلى التكلم للافتيان في النظمِ الكريم مع ما فيه من التلويحِ والرمزِ إلى ما مرَّ من اختلاف المبدأ في فِعليه تعالى السابقِ واللاحِقِ
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ} جملةٌ مستأنفة سيقت لتحقيق بقاءِ اللعن فيما وراء الاستثناءِ وتأكيدِ دوامِه واستمرارِه على غير التائبين حسبما يفيده الكلام والاقتصارُ على ذكر الكفر في الصلة من غير تعرضٍ لعدم التوبة والإصلاحِ والتبيينِ مبنيٌّ على ما أشيرَ إليهِ فكما أن وجودَ تلك الأمور الثلاثةِ مستلزِمٌ للإيمان الموجبِ لعدم الكفر كذلك وجودُ الكفر مستلزمٌ لعدمها جميعاً أي إن ذلك استمرار على الكفر المستتبِع للكتمان وعدمِ التوبة
{وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ} لا يرعوون عن حالتهم الأولى
{أولئك} الكلامُ فيه كما فيما قبله
{عَلَيْهِمْ} أي مستقِرٌّ عليهم
{لعنة الله والملائكة والناس أَجْمَعِينَ} ممن يُعتَدُّ بلعنتهم وهذا بيانٌ لدوامها الثبوتي بعد بيان دوامِها التجدّدي وقيل الأولُ لعنتَهم أحياءً وهذا لعنتهم أمواتا وقرئ والملائكةُ والناسُ أجمعون عطفاً على محلِّ اسم الله لأنه فاعلٌ في المعنى كقولك أعجبني ضربُ زيدٍ وعمروٍ تريد مِنْ أنْ ضرب زيد وعمر وكأنه قيل أولئك عليهم أنْ لعنهم الله والملائكةُ الخ وقيل هو فاعل لفعل مقدرٍ أي ويلعنهم الملائكة
{خالدين فِيهَا} أي في اللعنة أو في النار على أنها أُضمرت من غير ذكرٍ تفخيماً لشأنها وتهويلاً لأمرِها
{لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب} إما مستأنفٌ لبيان كثرة عذابِهم من حيث الكيفُ إثرَ بيانِ كثرتِه من حيث الكمُّ أو حال من الضمير في خالدين على وجه التداخُل أو من الضميرِ في عليهم على طريقة الترادُف
{وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} عطف على ما قبله جار فيه ما جرى فيه وإيثارُ الجملةِ الاسميةِ لإفادة دوامِ النفي واستمراره أي لا يُمهلون ولا يُؤجّلون أو لا يُنتظرون ليعتذروا أو لا يُنظر إليهم نَظَر رحمة
{وإلهكم} خطابٌ عام لكافة الناس أي المستحِقُّ منكم للعبادة
{إله واحد} أي فرد في الإلهيه لاصحة لتسمية غيرِه إلها أصلاً
{لاَ إله إِلاَّ هو} خبرٌ ثانٍ للمبتدأ أو صفةٌ أخرى للخبر أو اعتراض وأياما كان فهو مقرِّرٌ للوحدانية ومزيح لما عسى يُتوهّم أن في الوجود إلها لكن لا يستحق العبادة
{الرحمن الرحيم} خبران آخران لمبتدأ محذوفٍ وهو تقريرٌ للتوحيد فإنه تعالى حيث كان مُولياً لجميع النعم أصولِها وفروعِها جليلِها ودقيقِها وكان ما سواه كائناً ما كان مفتقراً إليه في وجوده وما تتفرع عليه من كمالاته تحققتْ وحدانيتُه بلا ريب وانحصر استحقاقُ العبادةِ فيه تعالى قطعاً قيل كان للمشركين
اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 183