اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 176
{الذين آتيناهم الكتاب} أي علماءهم إذهم العمدةُ في إيتائه ووضعُ الموصول موضعَ المضمرِ مع قرب العهد للإشعار بعلية مَا في حيزِ الصِّلةِ للحكم والضميرُ المنصوبُ في قوله تعالى
{يَعْرِفُونَهُ} للرسول صلى الله عليه وسلم والالتفاتُ إلى الغَيبة للإيذانِ بأن المراد ليس معرفتَهم له عليهِ السلامُ منْ حيثُ ذاتُه ونسبُه الزاهرُ بل من حيث كونُه مسطوراً في الكتاب منعوتاً فيه بالنعوت التي من جملتها أنه عليه السلام يصلي إلى القبلتين كأنه قيل الذين آتيناهم الكتابَ يعرِفون مَنْ وصفناه فيه وبهذا يظهر جزالةُ النظمِ الكريم وقيل هو إضمارٌ قبل الذكر للإشعار بفخامة شأنِه عليه الصلاةُ والسلام أنه عِلْمٌ معلوم بغير إعلامٍ فتأمل وقيل الضميرُ للعلم أو سببِه الذي هو الوحيُ أو القرآنُ أو التحويل ويؤيد الأولَ قوله عز وجل
{كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ} أي يعرفونه عليه الصلاة والسلام بأوصافه الشريفة المكتوبة في كتابهم ولا يشتبه علهيم كما لا يشتبه أبناؤُهم وتخصيصُهم بالذكر دون ما يعم البناتِ لكونهم أعرفَ عندهم منهن بسبب كونِهم أحبَّ إليهم عن عمرَ رضيَ الله عنه أنَّه سأل عبدُ اللَّه بنَ سلامٍ رضيَ الله عنْهُ عنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنا أعلم به مني بابني قال ولِمَ قال لأني لست أشكُّ فيه أنه نبي فأما ولدي فلعل والدتَه خانت فقبل عمر رأسه رضي الله عنهما
{وَإِنَّ فَرِيقًا مّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحق وَهُمْ يَعْلَمُونَ} هم الذين كابروا وعاندوا الحقَّ والباقون هم الذين آمنوا منهم فإنهم يُظهرون الحقَّ ولا يكتُمونه وأما الجهلةُ منهم فليست لهم معرفةٌ بالكتاب ولا بما في تضاعيفه فما هم بصدد الإظهارِ ولا بصدد الكَتْم وإنما كفرُهم على وجه التقليد
{الحقُّ} بالرفع على أنه مبتدأ وقولُه تعالى
{مِن رَبّكَ} خبرُه واللامُ للعهد والإشارةِ إلى ما عليه النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم أو إلى الحقِّ الذي يكتُمونه أو للجنس والمعنى أن الحقَّ ما ثبت أنَّه من اللَّهِ تعالى كالذي أنت عليه لاغيره كالذي عليه أهلُ الكتاب أو على أنَّه خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ أيْ هُو الحقُّ وقولُه تعالى مِن رَبّكَ إما حالٌ أو خبرٌ بعد خبر وقرئ بالنَّصبِ على أنَّه بدلٌ من الأول أو مفعولٌ ليعلمون وفي التعرُّض لوصفِ الرُّبوبيَّةِ مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام من إظهار اللطفِ به عليه السلام ما لا يخفى
{فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الممترين} أي الشاكّين في كتمانهم الحقَّ عالمين به وقيل في أنه من ربك وليس المراد به نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشك فيه لأنه غير متوقع
البقرة (147 - 146)
متابعة الهوى فإن مَنْ ليس من شأنه ذلك إذا نُهيَ عنه ورُتِّبَ على فرض وقوعِه ما رُتِّبَ من الانتظام في سِلكِ الراسخين في الظلم فما ظنُّ من ليس كذلك وإذن حرفُ جوابٍ وجزاءٍ توسطت بين اسمِ إنَّ وخبرِها لتقرير ما بينهما من النسبة إذ كان حقهاأن تتقدمَ أو تتأخر فلم تتقدمْ لئلا يُتوَهَّم أنها لتقرير النسبةِ التي بين الشرط وجوابِه المحذوفِ لأن المذكورَ جوابُ القسم ولم تتأخرْ لرعاية الفواصل ولقد بولغ في التأكيد من وجوهٍ تعظيماً للحق المعلومِ وتحريضاً على اقتفائه وتحذيراً عن متابعة الهوى واستعظاماً لصدورِ الذنبِ من الأنبياءِ عليهم السلام
اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 176