اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 165
البقرة (135 - 134)
على الاختصاص
{وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} حال من فاعل نعبدُ أو من مفعوله أومنهما معاً ويُحتمل أن يكون اعتراضاً محقّقاً لمضمون ما سبق
{وَقَالُواْ} شروعٌ في بيان فنٍ آخرَ من فنون كفرِهم وهو إضلالُهم لغيرهم إثرَ بيانِ ضلالِهم في أنفسهم والضمير لأهل الكتابين على طريقة الالتفاتِ المُؤْذن باستيجاب حالِهم لإبعادهم من مقام المخاطبةِ والإعراضِ عنهم وتعديدِ جناياتهم عند غيرهم قالوا للمؤمنين
{كُونُواْ هُودًا أَوْ نصارى} ليس هذا القول مقولا لكلهم أولاى طائفةٍ كانت من الطائفتين بل هو موزَّعٌ عليهما على وجه خاصَ يقتضيه حالُهما اقتضاءً مُغنياً عن التصريح به أي قالت اليهودُ كونوا هوداً والنصارى كونوا نصارى ففَعل بالنظم الكريم ما فَعل بقوله تعالى وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الجنةَ إلاَّ من كان هُودًا أَوْ نصارى اعتماداً على ظهور المرام
{تهتدوا} جواب
{تِلْكَ أُمَّةٌ} مبتدأٌ وخبرٌ والإشارةُ إلى إبراهيمَ ويعقوبَ وبَنِيهما الموحِّدين والأمةُ هي الجماعة التي تؤمّها فِرقُ الناس أي يقصدونها ويقتدون بها
{قَدْ خَلَتْ} صفة للخبر أي مضت بالموت وانفردت عمن عداها وأصلُه صارت إلى الخلاء وهي الأرضُ التي لا أنيس بها
{لَهَا مَا كَسَبَتْ} جملةٌ مستأنفةٌ لا محلَّ لها من الإعراب أو صفة أخرى لأمة أوحال من الضمير في خلت وما موصولةٌ أو موصوفةٌ والعائدُ إليها محذوف أي لها ما كسبَتْه من الأعمال لصالحة المحكية لاتتخطاها إلى غيرها فإن تقديمَ المُسندِ يوجب قصْرَ المُسند إليه كما هو المشهور
{وَلَكُم مَّا كَسَبْتُم} عطف على نظيرتها على الوجه الأول وجملةٌ مبتدأة على الوجهين الأخيرين إذ لا رابطَ فيها ولا بد منه في الصفة ولا مقارنة في الزمان ولابد منها في الحال أي لكم ما كسبتموه لا ما كسبه غيرُكم فإن تقديمَ المسند قد يُقصد به قصرُه على المسند إليه كما قيل في قوله تعالى لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ أي ولي دينى لادينكم وحملُ الجملة الأولى على هذا القصر على معنى أن أولئك لا ينفعهم إلا ما اكتسبوا كما قيل مما لا يساعده المقام إذ لا يتوهم متوهِّم انتفاعَهم بكسب هؤلاء حتى يُحتاج إلى بيان امتناعِه وإنما الذي يُتوهم انتفاعُ هؤلاء بكسبهم فبين امتناعَه بأن أعمالَهم الصالحة مخصوصة بهم لاتتخطاهم إلى غيرهم وليس لهؤلاء إلا ما كسبوا فلا ينفعُهم انتسابُهم إليهم وإنما ينفعهم اتباعُهم لهم في الأعمال كما قال عليه السلام يا بني هاشم لا يأتيني الناسُ بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم
{ولا تسألون عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} إن أجريَ السؤالُ على ظاهره فالجملة مقررة لمضمون ما مرَّ من الجملتين تقريراً ظاهراً وأن أريد به مسببه أعني الجزاءَ فهو تتميمٌ لما سبق جارٍ مَجرى النتيجةِ له وأيا ما كان فالمرادُ تخييبُ المخاطَبين وقطعُ أطماعِهم الفارغةِ عن الانتفاع بحسناتِ الأمةِ الخاليةِ وإنما أُطلق العملُ لإثبات الحكم بالطريقِ البرهاني في ضمن قاعدة كليةٍ هذا وقد جعل السؤال عبارةً عن المؤاخذة والموصول عن السيئات فقيل أي لا تؤاخَذون بسيئاتهم كما لا تثابون بحسناتهم ولا ريب في أنه مما لا يليق بشأن التنزيلِ كيف لاوهم منزّهون من كسب السيئاتِ فمن أين يُتصوَّر تحميلُها على غيرهم حتى يُتصَدَّى لبيان انتفاعِه
اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 165