اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 150
{وَقَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا} حكاية لطرفٍ آخرَ من مقالاتهم الباطلةِ المحكية فيما سلف معطوفةٌ على ما قبلها من قوله تعالى وَقَالَت الخ لا على صلةِ مَنْ لما بينهما من الجمل الكثيرة الأجنبيةِ والضميرُ لليهود والنصارى ومن شاركهم فيما قالوا من الذين لا يعلمون وقرئ بغير واو على الاستئناف نزلت حين قالت اليهودُ عزيز ابنُ الله والنصارى المسيحُ ابنُ الله ومشركو العربِ الملائكةُ بناتُ الله والاتخاذُ إما بمعنى الصُنع والعمل فلا يتعدَّى إلا إلى واحد وإما بمعنى التصيير والمفعولُ الأول محذوف أي صير بعض مخلوقاته ولداً
{سبحانه} تنزيهٌ وتبرئةٌ له تعالى عما قالوا وسبحانَ عَلَمٌ للتسبيح كعُثمانَ للرجل وانتصابُه على المصدريّةِ ولا يكاد يُذكر ناصبُه أي أُسبِّحُ سبحانَه أي أنزّهُه تنزيهاً لائقاً به وفيه من التنزيه البليغِ من حيث الاشتقاقُ من السبْح الذي هو الذهابُ والإبعادُ في الأرض ومن جهة النقلِ إلى التَّفعيلِ ومن جهة العدولِ إلى المصدر إلى الاسمِ الموضوعِ له خاصة لاسيما العلمُ المشيرُ إلى الحقيقةِ الحاضرةِ في الذِّهنِ ومن جهة إقامتهِ مُقامَ المصدرِ مع الفعل مالا يخفى وقيل هو مصدرٌ كغُفرانٍ بمعنى التنزُّه أي تنَزَّهَ بذاتِه تنزُّهاً حقيقاً به ففيه مبالغةٌ من حيث إسنادُ البراءةِ إلى الذات المقدسة وإن كان التنزيهُ اعتقادَ نزاهتِه تعالى عما لا يليق به لا إثباتَها له تعالى وقولُه تعالى
{بَل لَّهُ ما في السماوات والارض} رد لما زعموا وتنبيهٌ على بطلانه وكلمةُ بل للإضراب عما تقتضيه مقالتُهم الباطلةُ من مجانسته سبحانه وتعالى لشئ من المخلوقات ومن سرعة فَنائِه المَحوِجة إلى اتخاذ ما يقوم مَقامه فإن مجرد الإمكان والفَناء لا يوجب ذلكَ ألا يُرى أن الأجرامَ الفَلَكيةَ مع إمكانها وفَنائِها بالآخرة مستغنيةٌ
{وَلِلَّهِ المشرق والمغرب} أي له كلُّ الأرض التي هي عبارةٌ عن ناحيتي المشرقِ والمغربِ لا يختصّ به من حيث الملكُ والتصرفُ ومن حيث المحلّيةُ لعبادته مكانٌ منها دون مكان فإن مُنعتم من إقامة العبادةِ في المسجد الأقصى أو المسجد الحرام
{فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ} أي ففي أي مكان فعلتم توليةَ وجوهِكم شطرَ القبلة
{فَثَمَّ وَجْهُ الله} ثَمَّ اسمُ إشارة للمكان البعيد خاصة مبنيٌّ على الفتح ولا يتصرَّف سوى الجر بمن وهو خبر مقدمٌ ووجهُ الله مبتدأ والجملة في محل الجزم على أنها جواب الشرط أي هناك جهتُه التي أمر بها فإن إمكان التوليةِ غيرُ مختصَ بمسجد دون مسجد أو مكان دون آخر أو فثَمَّ ذاتُه بمعنى الحضورِ العلميّ أي فهو عالم بما يُفعل فيه ومثيبٌ لكم على ذلك وقرئ بفتح التاء واللام أي فأينما توجهوا القبلة
{إِنَّ الله واسع} بإحاطته بالأشياء أو برحمته يريد التوسعةَ على عباده
{عَلِيمٌ} بمصالحهم وأعمالهم في الأماكن كلِّها والجملة تعليلٌ لمضمون الشرطية وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما نزلت في صلاة المسافرين على الراحلة أينما توجّهوا وقيل في قوم عمِيت عليهم القِبلةُ فصلُّوا إلى أنحاءَ مختلفةٍ فلما أصبحوا تبينوا خطأهم وعلى هذا لو أخطأ المجتهدُ ثم تبين له الخطأ لم يلزمه التدارُك وقيل هي توطئة لنسخ القِبلة وتنزيهٌ للمعبود عن أن يكون في جهة
البقرة (116 - 115)
قوله تعالى {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} {وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ الأنعامِ ثمانية أزواج} إلى غير ذلك
اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 150