اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 132
البقرة (96 - 95)
الآخرة
{عِندَ الله خَالِصَةً} أي سالمة لكم خاصة بكم كما تدّعون أنه لنْ يدخلَ الجنةَ إلاَّ من كان هودا أو نصارى ونصبُها على الحالية من الدار وعند ظرفٌ للاستقرار في الخبر أعني لكم وقوله تعالى
{مّن دُونِ الناس} في محل النصبِ بخالصة يقال خلَص لي كذا من كذا واللامُ للجنس أي الناس كافة أو للعهد أي المسلمين
{فَتَمَنَّوُاْ الموتَ} فإنَّ مَنْ أيقن بدخول الجنة اشتاقَ إلى التخلص إليها من دار البوار وقرارة الأكدار لاسيما إذا كانت خالصة له كما قال عليٌّ كرم الله وجهه لا أبالي أسقطتُ على الموت أو سقط الموت على وقال عمار بن ياسر بصفين ... الآن ألاقي الأحبة ... محمدا وحزبه ... وقال حذيفة بن اليمان حين احتصر وقد كان يتمنى الموت قبل ... جاء حبيب على فاقة ... فلا أفلح اليوم من قد ندم ... أي على التمنى وقوله تعالى
{إن كنتم صادقين} تكرير للكلام لتشديد الإلزام وللتنبيه على أن ترتب الجواب ليس على تحقق الشرط في نفس الأمر فقط بل في اعتقادهم أيضا وأنهم قدادعوا ذلك والجوابُ محذوفٌ ثقةً بدلالة ما سبقَ عليهِ أيْ إنْ كنتُم صادقين فتمنوه وقوله تعالى
{ولن يتمنوه أبدا} كلامٌ مستأنفٌ غيرُ داخلٍ تحت الأمر سيق من جهته سبحانه لبيان ما يكون منهم من الإحجام عما دعوا إليه الدال على كذبهم في دعواهم
{بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} بسببِ ما عملُوا من المعاصي الموجبة لدخول النار كالكفر بالنبي عليه السلام والقرآن وتحريف التوراة ولما كانتِ اليدُ من بينِ جوارحِ الإنسانِ مناطَ عامة صنائعة ومدار أكثر منافعة عبَّرَ بها تارةً عن النفسِ وأُخرى عنِ القدرةِ
{والله عَلِيمٌ بالظالمين} أيْ بهِم وإيثارُ الإظهارِ على الإضمار لذمِّهم والتسجيلِ عليهِم بأنَّهم ظالمون في جميعَ الأمورِ التي من جملتها ادعاء ما ليس لهم ونفيه من عيرهم والجملةُ تذييلٌ لما قبلَها مقررةٌ لمضمونِهِ أيْ عليمٌ بهِم وبِمَا صدَرَ عَنْهُم من فنونِ الظلمِ والمعَاصِي المفضيةِ إلى أفانينِ العذابِ وبِمَا سيكونُ منهُم منَ الاحترازِ عَمَّا يؤدِّي إلى ذلكَ فوقعَ الأمرُ كما ذكرَ فلم يتمنَّ منهُم موته أحد إذ لو وقع ذلك لنقل واشتهر وعن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه وما بقى يهوديَ على وجه الأرض
{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ الناس} من الوُجدان العقليّ وهو جار مجرى العلم خلا أنه مختصٌّ بما يقع بعد التجربة ونحوهما ومفعولاه الضميرُ وأحرصَ والتنكيرُ في قوله تعالى
{على حياة} للإيذان بأن مرادهم نوعٌ خاص منها وهي الحياة المتطاولة وقرئ بالتعريف
{وَمِنَ الذين أَشْرَكُواْ} عطف على ما قبله بحسب المعنى كأنه قيل أحرصَ من الناس ومن الذين أشركوا وإفرادُهم بالذكر مع دخولهم في الناس للإيذان بامتيازهم من بينهم بشدة الحرصِ للمبالغة في توبيخ اليهودِ فإن حرصَهم وهم معترفون بالجزاء لمّا كان أشدَّ من حرص المشركين المنكرين له دلّ ذلك على جزمهم بمصيرهم إلى النار ويجوز أن يُحملَ على حذف المعطوف ثقةً بإنباء المعطوفِ عليه عنه أي وأحرصَ من الذين أشركوا فقوله تعالى
اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 132