اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 130
{وَلَقَدْ جَاءكُم موسى بالبينات} من تمام التبكيت والتوبيخِ داخلٌ تحت الأمر لا تكريرٌ لما قُصَّ في تضاعيف تعدادِ النِّعمِ التي من جُملتها العفوُ عن عبادة العجلِ واللامُ للقسم أي وبالله لقد جاءكم موسى ملتبسا بالمعجزات الظاهرةِ التي هي العصا واليدُ والسِّنونَ ونقصُ الثمراتِ والدمُ والطوفانُ والجَرادُ والقُمّلُ والضفادعُ وفلْقُ البحرِ وقد عُدَّ منها التوراةُ وليس بواضح فإن المجيءَ
البقرة (92)
أنبياءِ بني إسرائيلَ لتقرير حكمَها ويدسُّون فيه أن ما عدا ذلك غيرُ منزّلٍ عليهم ومرادُهم بضمير المتكلم إما أنفسُهم فمعنى الإنزالِ عليهم تكليفُهم بما في المنزَّل من الأحكام وإما أنبياءُ بني إسرائيلَ وهو الظاهرُ لاشتماله على مزيَّة الإيذانِ بأن عدمَ إيمانِهم بالفُرقان لما مرَّ من بغيهم وحَسَدِهم على نزوله على من ليس منهم ولأن مرادَهم بالموصول وإن كان هو التوراةُ وما في حكمها خاصةً لكنّ إيرادَها بعنوان الإنزالِ عليهم مبنيٌّ على ادعاء أن ما عداها ليس كذلك على وجه التعريضِ كما أشير إليه فلو أريد بالإنزال عليهم ما ذكر من تكليفهم يلزَمُ من مغايرَةَ القرآنِ لما أُنزل عليهم حسبما يُعرب عنه قوله عز وجل
{وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ} عدمُ كونِهم مكلَّفين بما فيه كما يلزَم عدمَ كونِه نازلاً على واحد من بني إسرائيلَ على الوجه الأخير وتجريد الموصول عند الإضمارِ عما عرَّضوا به تعسُّفٌ لا يخفى والوراء في الأصل مصدر جُعل ظرفاً ويضاف إلى الفاعل فيرادُ به ما يتوارى به وهو خلْفُه وإلى المفعول فيراد به ما يواريه وهو أمامُه والجملةُ حالٌ من ضمير قالوا بتقدير مبتدأ أي ما قالوا وهم يكفرون بما عداه وليس المرادُ مجردَ بيانِ أن إفرادَ إيمانِهم بما أنزل عليهم بالذكر لنفي إيمانِهم بما وراء بل بيانِ أن ما يدّعون من الإيمان ليس بإيمانٍ بما أنزل عليهم حقيقةً فإن قولَه عز اسمُه
{وَهُوَ الحق} أي المعروف بالحقية الحقيقُ بأن يُخصَّ به اسمُ الحقِ على الإطلاق حال من فاعل يكفُرون وقوله تعالى
{مُصَدّقاً} حالٌ مؤكدة لمضمون الجملةِ صاحبُها إما ضميرُ الحق وعاملَها ما فيه من معنى الفعل قاله أبو البقاء وإما ضميرٌ دل عليه الكلامُ وعاملها فعلٌ مضمرٌ أي أُحِقُّه مصدِّقاً
{لّمَا مَعَهُمْ} من التوراة والمعنى قالوا نؤمن بما أنزل علينا وهم يكفُرون بالقرآن والحال أنه حقٌّ مصدِّق لما آمنوا به فيلزمهم الكفرُ بما آمنوا به ومآله أنهم ادَّعَوا الإيمانَ بالتوراة والحال أنهم يكفُرون بما يلزم من الكفرُ بها
{قُلْ} تبكيتاً لهم من جهةِ الله عزَّ من قائل ببيان التناقض بين أقوالهم
{فَلَمْ} أصلُه لِمَا حُذفت عنه الألفُ فرقاً بين الاستفهامية والخبرية
{تَقْتُلُونَ أنبياء الله من قبل} الخطابُ للحاضرين من اليهود والماضين على طريق التغليب وحيث كانوا مشاركين في العقد والعمل كان الاعتراضُ على أسلافهم اعتراضاً على أخلافِهم وصيغةُ الاستقبال لحكايةَ الحالِ الماضية وهو جوابُ شرطٍ محذوفٍ أيْ قل لهم إن كنتم مؤمنين بالتوراة كما تزعُمون فلأيِّ شيء كنتم تقتلون أنبياءَ الله من قبلُ وهو فيها حرام وقرئ أنبياء الله مهموزاً وقولُه تعالى
{إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} تكريرٌ للاعتراض لتأكيد الإلزامِ وتشديدِ التهديدِ أي إن كنتم مؤمنين فلم تقتلون وقد حُذف من كل واحدة من الشرطيتين ما حُذف ثقةً بما أُثبتَ في الأخرى وقيل لا حذفَ فيه بل تقديمُ الجواب على الشرط وذلكَ لا يتأتَّى إلا على رأي الكوفيين وأبي زيد وقيل إن نافية ما كنتم مؤمنين وإلا لما قتلتموهم
اسم الکتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المؤلف : أبو السعود الجزء : 1 صفحة : 130