اسم الکتاب : تفسير ابن باديس في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير المؤلف : ابن باديس، عبد الحميد الجزء : 1 صفحة : 301
تعليم:
أرأيت كيف أن الله- تعالى- لم يجاز الخلق على مقتضى علمه فيهم، وهو العلم الذي لا يتخلف، وإنما جعل جزاءهم على أعمالهم.
فهذا تعليم لنا كيف تكون معاملتنا بعضنا لبعض؛ فلا نجازي على مجرد الظن، بل ولا على مجرد اليقين؛ وإنما تكون المجازاة بعد صدور الأعمال.
فرُبّ شخص قدرت فيه الخير أو الشر، ففعل ضد ما قدرت؛ فلو جازيته قبل الفعل لما طابق جزاؤك موضعه، ولنال كل ما لا يستحقه.
فالحكمة والعدل والمصلحة في ربط المجازاة بالأعمال، وهذا ما كان من الله في مجازاة خلقه، وهذا ما ينبغي أن نربط به المجازاة بيننا.
... تمثيل حال المعرضين عن الحق المعاندين فيه:
{إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)} [يس:8 و 9].
لما ذكر عدم إيمانهم، وكان مبدأ ذلك بإعراضهم عن الحق واختيارهم الكفر على الإيمان، ذكر ما عاقبهم الله به من منعهم عن الخير ودوام الإعراض عنه.
(الغل) ما يجعل في العنق محيطًا به.
(الذقن) مجمع اللحيين، ملتقى عظميهما تحت الفم.
{مُقْمَحُونَ} رافعون رؤوسهم. يقال: قمح البعير قموحاً إذا رفع رأسه عند الحوض وامتنع عن الشرب. ويقال: أقمحه الغل إذا ترك رأسه مرفوعا لضيقه.
(السد) الحاجز بين الشيئين.
{فَأَغْشَيْنَاهُمْ} جعلنا عليهم غشاء أي غطاء، أحاط بجميع الذات فمنع العيون من الإبصار.
{فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ} أي الأغلال منتهية من أسفل الأعناق إلى الأذقان. وهذا كناية عن عرضها، ولذا فرع عليه {فَهُمْ مُقْمَحُونَ}.
وفرع عدم إبصارهم على جعل سد أمامهم وسد خلفهم؛ لالتزاق السدين بهم، وضغطهما عليهم، فكما لا يستطيعون معهما تحركًا لا يستطيعون إبصاراً. وكيف يبصر من وجهه ملتزق بالحائط مثلاً؟
اسم الکتاب : تفسير ابن باديس في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير المؤلف : ابن باديس، عبد الحميد الجزء : 1 صفحة : 301