اسم الکتاب : تفسير ابن باديس في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير المؤلف : ابن باديس، عبد الحميد الجزء : 1 صفحة : 227
الثانية: هل لقاتل النفس ظلمًا وعدوانًا من توبة؟
ذهب ابن عباس في المشهور عنه، الذي رواه الشيخان [1] أوغيرهما: أنه لا توبة له. وقال في هذه الآية: إنها نزلت في المشركين، وذكر سبب نزولها كما تقدم. وقال- إثره- أما من دخل في الإسلام وعقله، ثم قُتل فلا توبة له [2].
وقال في هذه الآية: إنها آية مكية نسختها آية مدنية وهي آية الفرقان [3]: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]. ومراده بالنسخ التخصيص: يعني أن لفظة "من" في {إِلَّا مَنْ تَابَ} عامة، تشمل القاتل فتقضي بعمومها أن له توبة. وأن آية الفرقان التى جاءت في القاتل خصصتها وأخرجته من عمومها.
قال ابن رشد- بنقل الأبيّ-: وإلى هذا ذهب مالك لأنه قال: "لا يؤمن القاتل وإن تاب".
قال ابن رشد: وهذا لأن القتل فيه حق لله، وحق للمقتول، وشرط التوبة من مظالم العباد رد التبعات أو التحلل، وهذا لا سبيل للقاتل إليه إلاّ بأن يعفو عنه المقتول قبل القتل.
وذهب جمهور السلف، وأهل السنة: إلى أن للقاتل توبة، ونظروا في هذه الآية إلى عموم لفظها لا إلى خصوص سبب نزولها، وجعلوا عموم {وَمَنْ يَقْتُلْ} في آية الفرقان مخصصاً بمن تاب، المستثنى في هذه الآية. فابن عباس خصص من تاب بمن يقتل. وهم عكسوا فخصصوا من يقتل بمن تاب.
ويرجح تخصيصهم العمومات الدالة على قبول التوبة من كل مذنب مثل قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 11].
وقوله: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: 25].
وقوله: {وَقَابِلِ التَّوْبِ} [غافر: [3]].
وحديث: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" [4] في عمومات كثيرة. والظاهر إذا كثرت تفيد القطع.
قدوة في الفتوى:
قال ابن رشد: كان ابن شهاب [5] إذا سئل يستفهم السائل ويطاوله، فإن ظهر له أنه لم يقتل يفتيه بأنه لا توبة له، وإن تعرف بأنه قتل أفتاه بأن التوبة تصح. [1] صحيح البخاري (كتاب تفسير القرآن، تفسير سورة الفرقان، باب 2) وصحيح مسلم (كتاب التفسير، حديث رقم 19). [2] لفظ مسلم في التفسير حديث 19. [3] يعنى - كما في صحيح مسلم- أن الآية 70 من سورة الفرقان، وهي قوله تعالى {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا .. } نسخت قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} إلى قوله: {مُهَانًا}. [4] رواه من حديث ابن مسعود ابن ماجة في الزهد باب 30 حديث رقم 4250. [5] هو ابن شهاب الزهري محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة=
اسم الکتاب : تفسير ابن باديس في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير المؤلف : ابن باديس، عبد الحميد الجزء : 1 صفحة : 227