اسم الکتاب : تفسير ابن باديس في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير المؤلف : ابن باديس، عبد الحميد الجزء : 1 صفحة : 203
حقيقة العبادة:
إن العبادة هي غاية الذل والخضوع، مع الشعور بغاية الضعف والافتقار. ومن مقتضى الضعف أن يخاف ويَوْجَلَ، ومن مقتضى الافتقار أن يرجو ويطمع:
1 - فخوف العبد من عقاب ربه، هو من مقتضى اعترافه بضعفه وقوة ربه، وشهوده لعزته وقهره، وعموم تصرفه في خلقه، وأنه لا معقب لحكمه، وأنه لا يؤمن من مكروهه.
2 - وطمعه في ثوابه، هو من مقتضى اعترافه بحاجته وفقره وغنى ربه، وفضله، وتصديقه بوعده؛ فهو يعبده ويخاف ألا يقبل عبادته، ويخشى نقمته. ويعبده ويرجو رحمته، وينتظر مثوبته. وفي عبادته هذه إظهار لغاية العبودية بنقصها وحاجتها، وقيام بحق التعظيم والإجلال للربوبية، والاعتراف لذلك المقام بالقدرة والعزة، والغنى والرحمة والكمال.
فوضعت العبادة في الدين على خوف العقاب، ورجاء الثواب، لما في ذلك من إظهار غاية عبودية العبد بضعفه وافتقاره، أمام ربه الغني الرحيم القوي المتين.
ووجه الدليل من الآية:
أن هؤلاء المذكورين فيها، هم الكمل من عباد الله الصالحين، بدليل حديث أبي هريرة- رضي الله عنه المروي في الصحيح- قال: قال رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ذُخْرًا بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ» [1].
ثُمَّ قَرَأَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
ومع كمالهم لم تتجرد عبادتهم من الخوف والطمع. [1] أخرجه البخاري في التوحيد باب 35، وبدء الخلق باب 8، وتفسير سورة 32 باب 1. ومسلم في الإيمان حديث 312، وصفة الجنة حديث 2 - 5. والترمذي في صفة الجنة باب 15، وتفسير سورة 32 باب 2، وسورة 56 باب 1. وابن ماجة في الزهد باب 39. والدارمي في الرقاق باب 98 و105. وأحمد في المسند (2/ 313، 370، 407، 416، 438، 462، 466، 495، 506). ج
اسم الکتاب : تفسير ابن باديس في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير المؤلف : ابن باديس، عبد الحميد الجزء : 1 صفحة : 203