responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن باديس في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير المؤلف : ابن باديس، عبد الحميد    الجزء : 1  صفحة : 166
والاختبار. وأصلها مأخوذ من قولك: فتنت الفضة والذهب إذا أذبتهما بالنار لتميز الرديء من الجيد اهـ. ومنه قوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 2]. وقوله: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15]. وقوله: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: 40]. وقوله: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35].
{أتصبرون} الصبر حبس النفس على المكروه. والمكروه لها فعل ما فيه تعب، وترك ما فيه لذة. ويكون في المشروع والمقدور، ففي الأول بالقيام بالمأمورات، والترك للمنهيات. وفي الثاني بالرضا والتسليم في المصائب والبلايا للخالق، وعدم الاعتراض عليه، وعدم السعي في إزالتها بغير الوجه المأذون فيه.
و (البصير) هو المشاهد للأشياء ظاهرها وباطنها، ذواتها ونعوتها وأحوالها؛ مباديها وغاياتها وعواقبها.
الاستفهام في {أتصبرون} بمعنى الأمر أي اصبروا وخرج الأمر في صورة الاستفهام تنبيهاً على قلة الصبر في الوجود. فهو من الأمر المعدوم الذي يسأل عنه: هل يوجد؛ وفي ذلك بعث للهمم على تحصيله والتمسك به.
وجملة {وكان} الخ معطوفة على جملة {وجعلنا}، وعدل عن مقتضى الظاهر وهو وكنا بصراء بالإضمار إلى {وكان ربك بصيرا} بالإظهار، للتنبيه على أن فتنته لعباده من مقتضى ربوبيته لهم، وحسن تدبيره فيهم. وموقع هذه الجملة بعد الجملة الأولى لبيان أن فتنته لهم هي من علم وبصر بصواب ذلك وحكمته. وأنه مطلع على حقيقة ما يكون منهم عند الاختيار ليجازيهم عليه، وفي هذا وعد ووعيد للممتحنين.

المعنى:
امتحنا بعضكم ببعض لتظهر حقائقكم عند الامتحان.
جعلنا الرسل يأكلون كما يأكل البشر، ويكسبون كما يتكسبون لنمتحن العباد بهم فيظهر من يتبعهم بالإيمان واليقين؛ لما معهم من الحق والكمال. ويصبر على ما يلحقه من اتباعهم من الجهد والبلاء، ممن يحتقرهم ويعرض عنهم لما يرى من بشريتهم.
كما جعلنا الأمم فتنة لرسلها وامتحانا لهم، ليظهر صبرهم على ما يلاقون منهم من إذاية وشر، فتعلو درجاتهم ويضاعف أجرهم.
وجعلنا الغني امتحاناً للفقيرحتى يظهر صبره على حاله، وكفه لعينه ويده عن شيء غيره.
كما جعلنا الفقير امتحاناً للغني حتى يظهر صبره على القيام بواجبه نحوه.
وجعلنا الصحيح فتنة للمريض حتى يظهر صبره على بلواه ورضاه بما أعطاه الله.
كما جعلنا المريض فتنة للصحيح حتى يظهر صبره على القيام بواجبه نحوه من العطف عليه، وعيادته، ومواساته.

اسم الکتاب : تفسير ابن باديس في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير المؤلف : ابن باديس، عبد الحميد    الجزء : 1  صفحة : 166
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست