اسم الکتاب : تفسير ابن باديس في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير المؤلف : ابن باديس، عبد الحميد الجزء : 1 صفحة : 162
علموا أنه ما من رسول كان قبلك إلا وهذه حالته، وما أنت إلاّ واحد منهم، فلا عيب عليك في ذلك، ولا حجة لهم عليك به.
تاريخ:
هذه المقالة شنشنة [1] قديمة من الأمم التي أرسلت إليها الرسل، فقابلتها بالجهل والعناد.
فقد قال لنوح قومه: {مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا} [هود: 27].
وقال لهود قومه: {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} [المؤمنون: 33].
ولصالح: {مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [الشعراء: 154].
ولشعيب: {وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [الشعراء: 186].
ولموسى وهارون: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} [المؤمنون: 47].
وعن قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم أنهم قالوا لرسلهم: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [إبراهيم: 10].
فقال المشركون للنبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ما قاله أمثالهم لإخوانه المرسلين عليهم الصلاة والسلام.
[[تعليل]]:
ما اعترض المعترضون على الرسل ببشريتهم إلّا من جهلهم، وسوء نظرهم، وغباوتهم.
1 - أما جهلهم: فقد جهلوا ما في البشرية من استعداد لنيل أرقى الكمالات.
وجهلوا ما تقتضيه الرسالة من مشاكلة بين الرسول والمرسل إليهم لتحصل المفاهمة والاتصال.
وجهلوا ما يؤهل به البشر لرتبة الرسالة من كمال في الروح، والعقل، والأخلاق، والسلوك، مما كان الرسل متصفين به كله أمام أعين أقوامهم.
2 - وأما سوء نظرهم: فإنهم نظروا إلى بشرية الرسل فقاسوهم بهم، وقالوا لهم: أنتم مثلنا، مع وجود الفارق الواضح بينهم وبين الرسل في الصفات النفسية التي بها كمال الإنسان! [1] الشًنْشِنَةُ: السجية والطبيعة، وقيل: القطعة والمضغة من اللحم. وفي حديث عمر قال لابن عباس رضي الله عنهما في كلام: «شِنْشِنَةٌ أَعْرِفُهَا مِنْ أَخْزَمَ» أي فيه شبه من أبيه في الرأي والحزم والذكاء. وهو مثل، وأول من قاله أبو أخزم الطائي؛ وذلك أن أخزم كان عاقا لأبيه، فمات وترك بنين عقوا جدهم وضربوه وأدموه، فقال:
إِنَّ بَنِيَّ زَمَّلُونِي بِالدَّمِ ... شِنْشِنَةٌ أَعْرِفُهَا مِنْ أَخْزَمِ
ويروى "نشنشة" بتقديم النون. انظر النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 504).
اسم الکتاب : تفسير ابن باديس في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير المؤلف : ابن باديس، عبد الحميد الجزء : 1 صفحة : 162