responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن باديس في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير المؤلف : ابن باديس، عبد الحميد    الجزء : 1  صفحة : 114
وما يكون من باب إقامة الحجة وعرض الأدلة، فيسوقها بأجلى عبارة وأوقعها في النفس، خالية من السب والقدح، ومن الغمز والتعريض، ومن أدق تلميح إلى شيء قبيح.
وهذا يطالب به المؤمنون سواء كان ذلك فيما بينهم، أو بينهم وبين غيرهم.
وقد جاء في الصحيح: «أن رهطا من اليهود دخلوا على النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: السام [1] عليكم ففهمتها عائشة- رضي الله عنها- فقالت: وعليكم السام واللعنة. فقال لها رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: مهلاً يا عائشة، إن الله يحب الرفق في الأمر كله. فقالت: ألم تسمع ما قالوا؛ فقال: قد قلت: وعليكم» [2].
فكان الرد عليهم بمثل قولهم بأسلوب العطف على كلامهم، وهو قوله وعليكم، أحسن من الرد عليهم باللعنة. فقال- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- القولة التي هي أحسن، وهذا أدب الإسلام للمسلمين مع جميع الناس.
وأفاد قوله تعالى: {أحسن} بصيغة اسم التفضيل أن علينا أن نتخير في العبارات الحسنة، فننتقي أحسنها في جميع ما تقدم من أنواع مواقع الكلام.
فحاصل هذا التأديب الرباني هو اجتناب الكلام السيء جملة، والاقتصار على الحسن، وانتقاء واختيار الأحسن من بين ذلك الحسن. وهذا يستلزم استعمال العقل والروية عند كل كلمة تقال، ولو كلمة واحدة:
فرب كلمة واحدة أوقدت حرباً، وأهلكت شعباً، أو شعوباً.
ورب كلمة واحدة أنزلت أمناً وأنقذت أمة أو أمما.
وقد بين لنا النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مكانة الكلمة الواحدة من الأثر في قوله: «الكلمة الطيبة صدقة» [3] و «اتقوا النار ولو بكلمة طيبة» [4].
وهذا الأدب الإسلامي- وهو التروي عند القول، واجتناب السيء واختيار الأحسن- ضروري لسعادة العباد وهنائهم. وما كثرت الخلافات وتشعبت الخصومات وتنافرت المشارب،

[1] السام: الموت.
[2] أخرجه البخاري في الأدب باب 35 و38، والجهاد باب 98، والاستئذان باب 22، والدعوات باب 59 و63. ومسلم في السلام حديث 10 و11 و13. والترمذي في السير باب 40، والاستئذان باب 12 و13، وتفسير سورة 68 باب 3. والدارمي في الاستئذان باب 7. وأحمد في المسند (114/ 2، 170، 221، 3/ 140، 104، 210، 214، 218، 224، 241، 262، 289، 383، 37/ 6، 116، 134، 135، 199، 229).
[3] أخرجه من حديث أبي هريرة البخاري في الجهاد باب 128. ومسلم في الزكاة حديث 56. وأحمد في المسند (6/ 312، 374).
[4] رواه البخاري في الأدب باب 34، من حديث عدي بن حاتم عن رسول ال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلفظ: «اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيبة».
اسم الکتاب : تفسير ابن باديس في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير المؤلف : ابن باديس، عبد الحميد    الجزء : 1  صفحة : 114
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست