responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المؤلف : ابن عطية    الجزء : 1  صفحة : 483
نَفْساً إِلَّا وُسْعَها
[البقرة: 286] قال ذلك قتادة والسدي والربيع بن أنس وابن زيد وغيرهم، وقالت جماعة من أهل العلم: لا نسخ في شيء من هذا، وهذه الآيات متفقات، فمعنى هذه: اتقوا الله حقّ تقاته فيما استطعتم، وذلك أن حَقَّ تُقاتِهِ هو بحسب أوامره ونواهيه، وقد جعل تعالى الدين يسرا، وهذا هو القول الصحيح، وألا يعصي ابن آدم جملة لا في صغيرة ولا في كبيرة، وألا يفتر في العبادة أمر متعذر في جبلة البشر، ولو كلف الله هذا لكان تكليف ما لا يطاق، ولم يلتزم ذلك أحد في تأويل هذه الآية، وإنما عبروا في تفسير هذه الآية بأن قال ابن مسعود رضي الله عنه: حَقَّ تُقاتِهِ: هو أن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى، وكذلك عبر الربيع بن خيثم وقتادة والحسن، وقال ابن عباس رضي الله عنهما:
معنى قوله، واتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ: جاهدوا في الله حق جهاده ولا نسخ في الآية، وقال طاوس في معنى قوله تعالى: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ: يقول تعالى، إن لم تتقوه ولم تستطيعوا ذلك فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وقوله تعالى: وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ معناه: دوموا على الإسلام حتى يوافيكم الموت وأنتم عليه. هكذا هو وجه الأمر في المعنى، وجاءت العبارة على هذا النظم الرائق الوجيز، ونظيره ما حكى سيبويه من قولهم: لا أرينك هاهنا، وإنما المراد: لا تكن هاهنا فتكون رؤيتي لك، ومُسْلِمُونَ في هذه الآية، هو المعنى الجامع التصديق والأعمال، وهو الدين عند الله وهو الذي بني على خمس.
وقوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً معناه تمنعوا وتحصنوا به، فقد يكون الاعتصام بالتمسك باليد، وبارتقاء القنن، وبغير ذلك مما هو منعة، ومنه الأعصم في الجبل، ومنه عصمة النكاح، و «الحبل» في هذه الآية مستعار لما كان السبب الذي يعتصم به، وصلة ممتدة بين العاصم والمعصوم، ونسبة بينهما، شبه ذلك بالحبل الذي شأنه أن يصل شيئا بشيء، وتسمى العهود والمواثيق حبالا، ومنه قول الأعشى:
وإذا تجوّزها حبال قبيلة ... أخذت من الأدنى إليك حبالها
ومنه قول الآخر: [الكامل] (إني بحبلك واصل حبلي) ومنه قول الله تعالى: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران: 112] واختلفت عبارة المفسرين في المراد في هذه الآية بِحَبْلِ اللَّهِ، فقال ابن مسعود: «حبل الله» الجماعة، وروى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قال فقيل يا رسول الله: وما هذه الواحدة؟ قال فقبض يده وقال: الجماعة وقرأ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً، وقال ابن مسعود في خطبة: عليكم جميعا بالطاعة والجماعة فإنها حبل الله الذي أمر به، وقال قتادة رحمه الله: «حبل الله» الذي أمر بالاعتصام به هو القرآن، وقال السدي: «حبل الله» كتاب الله، وقاله أيضا ابن مسعود والضحاك، وروى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض، وقال أبو العالية: «حبل الله» في هذه الآية هو الإخلاص في التوحيد وقال ابن زيد: «حبل الله» هو الإسلام.

اسم الکتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المؤلف : ابن عطية    الجزء : 1  صفحة : 483
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست