اسم الکتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المؤلف : ابن عطية الجزء : 1 صفحة : 287
وقالت طائفة: إن الله هدى المؤمنين للحق فيما اختلف فيه أهل الكتابين من قولهم: إن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا.
وقال ابن زيد: من قبلتهم، فإن قبلة اليهود إلى بيت المقدس والنصارى إلى المشرق، ومن يوم الجمعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له، فلليهود غد، وللنصارى بعد غد» ، ومن صيامهم وجميع ما اختلفوا فيه.
وقال الفراء: في الكلام قلب، واختاره الطبري، قال: وتقديره فهدى الله الذين آمنوا للحق مما اختلفوا فيه. ودعاه إلى هذا التقدير خوف أن يحتمل اللفظ أنهم اختلفوا في الحق فهدى الله المؤمنين لبعض ما اختلفوا فيه وعساه غير الحق في نفسه، نحا إلى هذا الطبري في حكايته عن الفراء.
قال القاضي أبو محمد: وادعاء القلب على لفظ كتاب الله دون ضرورة تدفع إلى ذلك عجز وسوء نظر، وذلك أن الكلام يتخرج على وجهه ورصفه، لأن قوله فَهَدَى يقتضي أنهم أصابوا الحق، وتم المعنى في قوله فِيهِ، وتبين بقوله مِنَ الْحَقِّ جنس ما وقع الخلاف فيه.
قال المهدوي: «وقدم لفظ الخلاف على لفظ الحق اهتماما، إذ العناية إنما هي بذكر الاختلاف» .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وليس هذا عندي بقوي، وفي قراءة عبد الله بن مسعود «لما اختلفوا عنه من الحق» أي عن الإسلام.
وبِإِذْنِهِ قال الزجّاج: معناه بعلمه، وقيل: بأمره، والإذن هو العلم والتمكين، فإن اقترن بذلك أمر صار أقوى من الإذن بمزية، وفي قوله تعالى: وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ رد على المعتزلة في قولهم إن العبد يستبد بهداية نفسه.
وقوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ الآية، أَمْ قد تجيء لابتداء كلام بعد كلام وإن لم يكن تقسيم ولا معادلة ألف استفهام، وحكى بعض اللغويين أنها قد تجيء بمثابة ألف الاستفهام يبتدأ بها، وحَسِبْتُمْ تطلب مفعولين، فقال النحاة أَنْ تَدْخُلُوا تسد مسد المفعولين لأن الجملة التي بعد أَنْ مستوفاة المعنى، ويصح أن يكون المفعول الثاني محذوفا، تقديره أحسبتم دخولكم الجنة واقعا، ولَمَّا، ولا يظهر أن يتقدر المفعول الثاني في قوله وَلَمَّا يَأْتِكُمْ بتقدير أحسبتم دخولكم الجنة خلوا من أن يصيبكم ما أصاب من قبلكم، لأن خَلَوْا حال، والحال هنا إنما تأتي بعد توفية المفعولين، والمفعولان هما الابتداء والخبر قبل دخول حسب، والْبَأْساءُ: في المال، والضَّرَّاءُ: في البدن، وخَلَوْا معناه انقرضوا، أي صاروا في خلاء من الأرض. وهذه الآية نزلت في قصة الأحزاب حين حصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المدينة، هذا قول قتادة والسدي وأكثر المفسرين.
وقالت فرقة: نزلت الآية تسلية للمهاجرين الذين أصيبت أموالهم بعدهم في بلادهم وفتنوا هم قبل ذلك، ومَثَلُ معناه شبه، فالتقدير شبه آتى الذين خَلَوْا، والزلزلة شدة التحريك، تكون في الأشخاص وفي الأحوال، ومذهب سيبوية أن «زلزل» رباعي ك «دحرج» .
اسم الکتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المؤلف : ابن عطية الجزء : 1 صفحة : 287