responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير البغوي - ط إحياء التراث المؤلف : البغوي، أبو محمد    الجزء : 1  صفحة : 456
يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ وَبَيَانَ نَعْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ، أَنَّ نَعْتَهُ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مَذْكُورٌ.
يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ تَخْلِطُونَ الْإِسْلَامَ بِالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَقِيلَ: لِمَ تَخْلِطُونَ الْإِيمَانَ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ الْحَقُّ، بِالْكُفْرِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الباطل. وقيل: لم تخلطون التَّوْرَاةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى بِالْبَاطِلِ الَّذِي حَرَّفْتُمُوهُ وَكَتَبْتُمُوهُ بِأَيْدِيكُمْ، وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودينه حق.
وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا الآية، قال الحسن وقتادة وَالسُّدِّيُّ [1] : تَوَاطَأَ اثْنَا عَشَرَ حَبْرًا من يهود خيبر وقرى عربية [2] ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ادْخُلُوا فِي دِينُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم أَوَّلَ النَّهَارِ بِاللِّسَانِ دُونَ الِاعْتِقَادِ ثُمَّ اكْفُرُوا آخِرَ النَّهَارِ، وَقُولُوا: إِنَّا نَظَرْنَا فِي كُتُبِنَا وَشَاوَرْنَا علماءنا فوجدنا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس هو بذاك المنعوت وَظَهَرَ لَنَا كَذِبُهُ، فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ شَكَّ أَصْحَابُهُ فِي دِينِهِمْ واتّهموه، وقالوا إنهم أهل كتاب وهم أعلم به منّا، فَيَرْجِعُونَ عَنْ دِينِهِمْ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: هَذَا فِي شَأْنِ الْقِبْلَةِ لَمَّا صُرِفَتْ إِلَى الْكَعْبَةِ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْيَهُودِ، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ لِأَصْحَابِهِ: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ مِنْ أَمْرِ الْكَعْبَةِ وَصَلُّوا إِلَيْهَا أَوَّلَ النَّهَارِ، ثُمَّ اكْفُرُوا وَارْجِعُوا إِلَى قِبْلَتِكُمْ آخِرَ النَّهَارِ لَعَلَّهُمْ يَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْكِتَابِ وَهُمْ أَعْلَمُ [منا] [3] ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى قِبْلَتِنَا، فَأَطْلَعَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ عَلَى سِرِّهِمْ، وَأَنْزَلَ: وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا، بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ، أَوَّلَهُ سُمِّيَ وَجْهًا لِأَنَّهُ أَحْسَنُهُ وَأَوَّلُ مَا يُوَاجِهُ النَّاظِرَ فَيَرَاهُ، وَاكْفُرُوا آخِرَهُ، [عند غروب الشمس] [4] ، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، فَيَشُكُّونَ وَيَرْجِعُونَ عَنْ دينهم.

[سورة آل عمران [3] : آية 73]
وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (73)
وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، هَذَا مُتَّصِلٌ بِالْأَوَّلِ مِنْ قَوْلِ الْيَهُودِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَلَا تؤمنوا، أي: ولا تُصَدِّقُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، أي: وَافَقَ مِلَّتَكُمْ، وَاللَّامُ فِي لِمَنْ صِلَةٌ، أَيْ: لَا تُصَدِّقُوا إِلَّا مَنْ تَبِعَ دِينَكُمُ الْيَهُودِيَّةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ [النمل: 72] ، أَيْ: رِدْفَكُمْ. قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ، هَذَا خَبَرٌ مِنَ الله تعالى أَنَّ الْبَيَانَ بَيَانُهُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فيه فمنهم من قال: هذا كَلَامٌ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ كَلَامَيْنِ وَمَا بَعْدَهُ مُتَّصِلٌ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ إِخْبَارٌ عَنْ قَوْلِ الْيَهُودِ [بَعْضُهُمْ] [5] لِبَعْضٍ، وَمَعْنَاهُ:
وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ وَلَا تُؤْمِنُوا أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَالْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ وَالْآيَاتِ مِنَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى وَفَلْقِ الْبَحْرِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْكَرَامَاتِ، وَلَا تُؤْمِنُوا أَنْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ لِأَنَّكُمْ أَصَحُّ دِينًا مِنْهُمْ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ، وَقِيلَ: إِنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ لِسَفَلَتِهِمْ: وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ، أَيْ: لِئَلَّا يُؤْتَى أَحَدٌ، وَ «لَا» فِيهِ مُضْمَرَةٌ كَقَوْلِهِ تعالى: يُبَيِّنُ اللَّهُ

[1] هذه مراسيل، وإسناد المصنف إلى هؤلاء الأئمة في أول الكتاب.
[2] في المطبوع وط «عرينة» والمثبت عن المخطوط و «الدر المنثور» (2/ 75) والطبري 7229.
[3] زيادة عن المخطوط و «أسباب النزول» .
[4] زيادة عن المخطوط.
[5] زيادة عن المخطوط.
اسم الکتاب : تفسير البغوي - ط إحياء التراث المؤلف : البغوي، أبو محمد    الجزء : 1  صفحة : 456
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست