responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير البغوي - ط إحياء التراث المؤلف : البغوي، أبو محمد    الجزء : 1  صفحة : 351
، فإن قيل: كيف يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ وَهُمْ كُفَّارٌ لَمْ يَكُونُوا فِي نُورٍ قَطُّ؟ قِيلَ: هُمُ الْيَهُودُ وكانوا مُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ لِمَا يجدون في كتبهم من نعمته، فَلَمَّا بُعِثَ كَفَرُوا بِهِ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى الْعُمُومِ فِي حَقِّ جميع الكفار، وقالوا: مَنْعُهُمْ إِيَّاهُمْ مِنَ الدُّخُولِ فِيهِ: إِخْرَاجٌ، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِأَبِيهِ: أَخْرَجْتَنِي [1] مِنْ مَالِكَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [يُوسُفَ: 37] ، وَلَمْ يَكُنْ قَطُّ فِي مِلَّتِهِمْ، أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ، مَعْنَاهُ: هَلِ انْتَهَى إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ خَبَرُ الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ، أَيْ خَاصَمَ وَجَادَلَ، وَهُوَ نُمْرُودُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ التَّاجَ عَلَى رَأْسِهِ وَتَجَبَّرَ فِي الْأَرْضِ وَادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ؟ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ، أَيْ: لِأَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ فَطَغَى، أَيْ: كَانَتْ تِلْكَ الْمُحَاجَّةُ مِنْ بَطَرِ الْمَلِكِ وَطُغْيَانِهِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: مَلَكَ الْأَرْضَ أَرْبَعَةٌ: مُؤْمِنَانِ وَكَافِرَانِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنَانِ: فَسُلَيْمَانُ وَذُو الْقَرْنَيْنِ، وَأَمَّا الْكَافِرَانِ: فَنُمْرُودُ وَبُخْتَنَصَّرُ، وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةِ، قَالَ مُقَاتِلٌ: لَمَّا كَسَّرَ إِبْرَاهِيمُ الْأَصْنَامَ سَجَنَهُ نُمْرُودُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ لِيَحْرِقَهُ بِالنَّارِ، فَقَالَ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ الَّذِي تَدْعُونَا إِلَيْهِ؟ فَقَالَ: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ هَذَا بَعْدَ إِلْقَائِهِ فِي النَّارِ وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ قَحَطُوا عَلَى عَهْدِ نُمْرُودَ، وَكَانَ النَّاسُ يَمْتَارُونَ مِنْ عِنْدِهِ الطَّعَامَ، فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ الرَّجُلُ فِي طَلَبِ الطَّعَامِ سَأَلَهُ مِنْ رَبُّكَ فَإِنْ قَالَ أَنْتَ بَاعَ مِنْهُ الطَّعَامَ، فَأَتَاهُ إِبْرَاهِيمُ فِيمَنْ أَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ نُمْرُودُ: مَنْ رَبُّكَ؟ قَالَ: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، فَاشْتَغَلَ بِالْمُحَاجَّةِ وَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا، فَرَجَعَ إِبْرَاهِيمُ فَمَرَّ عَلَى كَثِيبٍ مِنْ رَمْلٍ أَعْفَرَ فَأَخَذَ مِنْهُ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِ أَهْلِهِ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَتَى أَهْلَهُ وَوَضَعَ مَتَاعَهُ نَامَ فَقَامَتِ امْرَأَتُهُ إِلَى مَتَاعِهِ فَفَتَحَتْهُ فَإِذَا هُوَ أَجْوَدُ طعام رأته [فأخذته سارة] [2] فَصَنَعَتْ لَهُ مِنْهُ فَقَرَّبَتْهُ [إِلَيْهِ] [3] ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ قَالَتْ: مِنَ الطَّعَامِ الَّذِي جِئْتَ بِهِ، فَعَرَفَ أَنَّ اللَّهَ رَزَقَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ غَيْرِ مَذْكُورٍ تَقْدِيرُهُ:
قَالَ لَهُ مَنْ ربك؟ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، قَرَأَ حَمْزَةُ: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ بِإِسْكَانِ الْيَاءِ وَكَذَلِكَ حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ [الأعراف: 33] ، وعَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ [الأعراف:
146] ، وقُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ [إبراهيم: 31] ، وآتانِيَ الْكِتابَ [مريم: 30] ، ومَسَّنِيَ الضُّرُّ [الأنبياء: 83] ، وعِبادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء: 105] ، وعِبادِيَ الشَّكُورُ [سبأ: 13] ، ومَسَّنِيَ الشَّيْطانُ [ص: 41] ، وإِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ [الزمر: 38] ، وإِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ [الْمُلْكِ: 28] ، أَسْكَنَ الْيَاءَ فِيهِنَّ حَمْزَةُ، وَوَافَقَ ابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ فِي لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا [إبراهيم: 31] ، وابن عامر [في] آياتِيَ الَّذِينَ [الأعراف: 146] ، وفتحها الآخرون، قالَ نمرود [لإبراهيم] أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنَا بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ وَالْمَدِّ فِي الْوَصْلِ إِذَا تَلَتْهَا أَلِفٌ مَفْتُوحَةٌ أَوْ مَضْمُومَةٌ، وَالْبَاقُونَ بِحَذْفِ الْأَلِفِ، وَوَقَفُوا جَمِيعًا بِالْأَلِفِ، قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: دَعَا نُمْرُودُ بِرَجُلَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا وَاسْتَحْيَا الْآخَرَ فَجَعَلَ [القتل إماتة] [4] ، وترك القتل إحياء، فَانْتَقَلَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى حُجَّةٍ أُخْرَى ليعجزه، فَإِنَّ حُجَّتَهُ كَانَتْ لَازِمَةً لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْإِحْيَاءِ إِحْيَاءَ الْمَيِّتِ فَكَانَ له أن يقول فأحيي مَنْ أَمَتَّ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا، فانتقل إلى حجّة أخرى

[1] في المخطوط «أخرجني» .
[2] زيادة عن المخطوط.
[3] زيد في المطبوع وحده.
[4] زيد في المطبوع وحده.
اسم الکتاب : تفسير البغوي - ط إحياء التراث المؤلف : البغوي، أبو محمد    الجزء : 1  صفحة : 351
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست