responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير البغوي - ط دار طيبة المؤلف : البغوي، أبو محمد    الجزء : 1  صفحة : 65
وَحَقِيقَةُ الْخَتْمِ الِاسْتِيثَاقُ مِنَ الشَّيْءِ كَيْلَا يَدْخُلَهُ مَا خَرَجَ مِنْهُ وَلَا يَخْرُجَ عَنْهُ مَا فِيهِ، وَمِنْهُ الْخَتْمُ عَلَى الْبَابِ. قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ: أَيْ حَكَمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ بِالْكُفْرِ، لِمَا سَبَقَ مِنْ عِلْمِهِ الْأَزَلِيِّ فِيهِمْ، وَقَالَ الْمُعْتَزِلَةُ: جَعَلَ عَلَى قُلُوبِهِمْ عَلَامَةً تَعْرِفُهُمُ الْمَلَائِكَةُ بِهَا. {وَعَلَى سَمْعِهِمْ} أَيْ: عَلَى مَوْضِعِ سَمْعِهِمْ فَلَا يَسْمَعُونَ الْحَقَّ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَأَرَادَ عَلَى أَسْمَاعِهِمْ كَمَا قَالَ: {عَلَى قُلُوبِهِمْ} وَإِنَّمَا وَحَّدَهُ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَالْمَصْدَرُ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ. {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} هَذَا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ. غِشَاوَةٌ أَيْ: غِطَاءٌ، فَلَا يَرَوْنَ الْحَقَّ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ أَبْصَارِهِمْ بِالْإِمَالَةِ وَكَذَلِكَ كَلُّ أَلِفٍ بَعْدَهَا رَاءٌ مَجْرُورَةٌ فِي الْأَسْمَاءِ كَانَتْ لَامَ الْفِعْلِ يُمِيلَانِهَا وَيُمِيلُ حَمْزَةُ مِنْهَا مَا يَتَكَرَّرُ فِيهِ الرَّاءُ كَالْقَرَارِ وَنَحْوِهِ. زَادَ الْكِسَائِيُّ إِمَالَةَ جَبَّارِينَ وَالْجَوَارِ وَالْجَارِ وَبَارِئِكُمْ وَمَنْ أَنْصَارِي وَنُسَارِعُ وَبَابِهِ. وَكَذَلِكَ يُمِيلُ هَؤُلَاءِ كُلَّ أَلِفٍ بِمَنْزِلَةِ لَامِ الْفِعْلِ، أَوْ كَانَ عَلَمًا لِلتَّأْنِيثِ، إِذَا كَانَ قَبْلَهَا رَاءٌ، فَعَلَمُ التَّأْنِيثِ مِثْلُ: الْكُبْرَى وَالْأُخْرَى. وَلَامُ الْفِعْلِ: مِثْلُ تَرَى وَافْتَرَى، يَكْسِرُونَ الرَّاءَ فِيهَا.
وَلَهُمْ {عَذَابٌ عَظِيمٌ} أَيْ: فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ الْقَتْلُ وَالْأَسْرُ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابُ الدَّائِمُ فِي الْعُقْبَى. وَالْعَذَابُ كُلُّ مَا يَعْنِي الْإِنْسَانَ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْعَذَابُ مَا يَمْنَعُ الْإِنْسَانَ عَنْ مُرَادِهِ، وَمِنْهُ: الْمَاءُ الْعَذْبُ، لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْعَطَشَ.
قَوْلُهُ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ} نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ [1] عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ، وَمُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ، وَجَدِّ بْنِ قَيْسٍ وَأَصْحَابِهِمْ حَيْثُ أَظْهَرُوا كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ لِيَسْلَمُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَاعْتَقَدُوا خِلَافَهَا وَأَكْثَرُهُمْ مِنَ الْيَهُودِ، وَالنَّاسُ جَمْعُ إِنْسَانٍ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ عُهِدَ إِلَيْهِ فَنَسِيَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى "وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ" (115-طه) وَقِيلَ: لِظُهُورِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ آنَسْتُ أَيْ أَبْصَرْتُ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يُسْتَأْنَسُ بِهِ {وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ} أَيْ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ} أَيْ يُخَالِفُونَ اللَّهَ وَأَصْلُ الْخَدْعِ فِي اللُّغَةِ الْإِخْفَاءُ وَمِنْهُ الْمَخْدَعُ لِلْبَيْتِ الَّذِي يُخْفَى فِيهِ الْمَتَاعُ فَالْمُخَادِعُ يُظْهِرُ خِلَافَ مَا يُضْمِرُ وَالْخَدْعُ مِنَ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} (182-النِّسَاءِ) أَيْ يُظْهِرُ لَهُمْ وَيُعَجِّلُ لَهُمْ مِنَ النَّعِيمِ فِي الدُّنْيَا خِلَافَ مَا يَغِيبُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ. وَقِيلَ: أَصْلُ الْخَدْعِ: الْفَسَادُ، مَعْنَاهُ يُفْسِدُونَ مَا أَظْهَرُوا مِنَ الْإِيمَانِ بِمَا أَضْمَرُوا مِنَ الْكُفْرِ.
وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} أَيْ: يُفْسِدُ عَلَيْهِمْ نَعِيمَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِمَا يُصَيِّرُهُمْ إِلَيْهِ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ فَإِنْ قِيلَ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ {يُخَادِعُونَ اللَّهَ} وَالْمُفَاعَلَةُ لِلْمُشَارَكَةِ وَقَدْ جَلَّ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمُخَادَعَةِ؟ قِيلَ: قَدْ تَرِدُ الْمُفَاعَلَةُ لَا عَلَى مَعْنَى الْمُشَارِكَةِ كَقَوْلِكَ عَافَاكَ اللَّهُ وَعَاقَبْتُ فُلَانًا، وَطَارَقْتُ النَّعْلَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ يُخَادِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ" (57-الْأَحْزَابِ) أَيْ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ، وَقِيلَ: ذِكْرُ اللَّهِ هَاهُنَا تَحْسِينٌ وَالْقَصْدُ بِالْمُخَادَعَةِ الَّذِينَ آمَنُوا كَقَوْلِهِ تَعَالَى "فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ" (41-الْأَنْفَالِ) وَقِيلَ مَعْنَاهُ يَفْعَلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ مَا هُوَ خِدَاعٌ فِي دِينِهِمْ {وَالَّذِينَ آمَنُوا} أَيْ وَيُخَادِعُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِمْ إِذَا رَأَوْهُمْ آمَنَّا

[1] انظر: الطبري: 1 / 269، تفسير ابن كثير: 1 / 48.
اسم الکتاب : تفسير البغوي - ط دار طيبة المؤلف : البغوي، أبو محمد    الجزء : 1  صفحة : 65
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست