responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير البغوي - ط دار طيبة المؤلف : البغوي، أبو محمد    الجزء : 1  صفحة : 59
سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَدَنِيَّةٌ (1)
وَهِيَ مِائَتَانِ وَثَمَانُونَ وَسَبْعُ آيَاتٍ
{الم [1] ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [2] الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [3] وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [4] أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [5] }
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {الم} قَالَ الشَّعْبِيُّ وَجَمَاعَةٌ: الم وَسَائِرُ حُرُوفِ الْهِجَاءِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ وَهِيَ سِرُّ الْقُرْآنِ. فَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِظَاهِرِهَا وَنَكِلُ الْعِلْمَ فِيهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَفَائِدَةُ ذِكْرِهَا طَلَبُ الْإِيمَانِ بِهَا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: فِي كُلِّ كِتَابٍ سِرٌّ وَسِرُّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ أَوَائِلُ السُّوَرِ، وَقَالَ عَلِيٌّ: لِكُلِّ كِتَابٍ صَفْوَةٌ وَصَفْوَةُ هَذَا الْكِتَابِ حُرُوفُ (التَّهَجِّي) [2] وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ: كُنْتُ أَسْأَلُ الشَّعْبِيَّ عَنْ فَوَاتِحِ السُّوَرِ فَقَالَ: يَا دَاوُدُ إِنَّ لِكُلِّ كِتَابٍ سِرًّا وَإِنَّ سِرَّ الْقُرْآنِ فَوَاتِحُ السُّوَرِ فَدَعْهَا وَسَلْ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ هِيَ مَعْلُومَةُ الْمَعَانِي فَقِيلَ: كُلُّ حَرْفٍ مِنْهَا مِفْتَاحُ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي كهيعص: الْكَافُ مِنْ كَافِي وَالْهَاءُ مِنْ هَادِي وَالْيَاءُ مِنْ حَكِيمٍ وَالْعَيْنُ مِنْ عَلِيمٍ وَالصَّادُ مِنْ صَادِقٍ. وَقِيلَ فِي المص أَنَا اللَّهُ الْمَلِكُ الصَّادِقُ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ فِي الم: الْأَلِفُ مِفْتَاحُ اسْمِهِ اللَّهِ وَاللَّامُ مِفْتَاحُ اسْمِهِ اللَّطِيفِ، وَالْمِيمُ مِفْتَاحُ اسْمِهِ الْمَجِيدِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: الْأَلِفُ آلَاءُ اللَّهِ وَاللَّامُ لُطْفُهُ، وَالْمِيمُ مُلْكُهُ، وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَعْنَى الم: أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ: وَمَعْنَى [3] المص: أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ وأفضل وَمَعْنَى الر: أَنَا اللَّهُ أَرَى، وَمَعْنَى المر: أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ وَأَرَى. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهَذَا حَسَنٌ فَإِنَّ الْعَرَبَ تَذْكُرُ حَرْفًا مِنْ كَلِمَةٍ تُرِيدُهَا كَقَوْلِهِمْ:

[1] البقرة: مائتان وثمانون وخمس، وقيل ست، وقيل سبع. (الإتقان - المجلد الأول- 235) .
[2] في ب: الهجاء.
[3] في أ: المعنى.
قُلْتُ لَهَا: قِفِي لَنَا قَالَتْ: قَافْ (1)
أَيْ: وَقَفْتُ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ هِيَ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى (مُقَطَّعَةٌ) [2] لَوْ عَلِمَ النَّاسُ تَأْلِيفَهَا لَعَلِمُوا اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ. أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ الر، وَحم، وَن، فَتَكُونُ الرَّحْمَنَ، وَكَذَلِكَ سَائِرُهَا إِلَّا أَنَّا لَا نَقْدِرُ عَلَى وَصْلِهَا، وَقَالَ قَتَادَةُ: هَذِهِ الْحُرُوفُ أَسْمَاءُ الْقُرْآنِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ: هِيَ أَسْمَاءُ (السُّوَرِ) [3] وَبَيَانُهُ: أَنَّ الْقَائِلَ إِذَا قَالَ: قَرَأْتُ المص عَرَفَ السَّامِعُ أَنَّهُ قَرَأَ السُّورَةَ الَّتِي افْتُتِحَتْ بِالمص. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهَا أَقْسَامٌ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: إِنَّمَا أَقْسَمَ اللَّهُ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ لِشَرَفِهَا وَفَضْلِهَا لِأَنَّهَا (مَبَادِئُ) [4] كُتُبِهِ الْمُنَزَّلَةِ، وَمَبَانِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى [5] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} أَيْ هَذَا الْكِتَابُ وَهُوَ الْقُرْآنُ، وَقِيلَ: هَذَا فِيهِ مُضْمَرٌ أَيْ هَذَا ذَلِكَ الْكِتَابُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: كَانَ اللَّهُ قَدْ وَعَدَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنْزِلَ عَلَيْهِ كِتَابًا لَا يَمْحُوهُ الْمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، فَلَمَّا أَنْزَلَ الْقُرْآنَ قَالَ هَذَا {ذَلِكَ} [6] الْكِتَابُ الَّذِي وَعَدْتُكَ أَنْ أُنْزِلَهُ عَلَيْكَ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَعَلَى لِسَانِ النَّبِيِّينَ مِنْ قَبْلِكَ "وَهَذَا" لِلتَّقْرِيبِ "وَذَلِكَ" لِلتَّبْعِيدِ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ قَبْلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ سُوَرًا كَذَّبَ بِهَا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ أَنْزَلَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَقَالَ {ذَلِكَ الْكِتَابُ} يَعْنِي مَا تَقَدَّمَ الْبَقَرَةَ مِنَ السُّوَرِ لَا شَكَّ فِيهِ.
وَالْكِتَابُ مَصْدَرٌ وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ كَمَا يُقَالُ لِلْمَخْلُوقِ خَلْقٌ، وَهَذَا الدِّرْهَمُ ضَرْبُ فُلَانٍ أَيْ مَضْرُوبُهُ. وَأَصْلُ الْكَتْبِ: الضَّمُّ وَالْجَمْعُ، وَيُقَالُ لِلْجُنْدِ: كَتِيبَةٌ لِاجْتِمَاعِهَا، وَسُمِّيَ الْكِتَابُ كِتَابًا لِأَنَّهُ جَمْعُ حَرْفٍ إِلَى حَرْفٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا رَيْبَ فِيهِ} أَيْ لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّهُ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ، وَقِيلَ هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ أَيْ لَا تَرْتَابُوا فِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى "فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ" (197-الْبَقَرَةِ) أَيْ لَا تَرْفُثُوا وَلَا تَفْسُقُوا. قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: فِيهِ بِالْإِشْبَاعِ فِي الْوَصْلِ وَكَذَلِكَ كَلُّ هَاءِ كِنَايَةٍ قَبْلَهَا سَاكِنٌ يُشْبِعُهَا وَصْلًا مَا لَمْ يَلْقَهَا سَاكِنٌ ثُمَّ إِنْ كَانَ السَّاكِنُ قَبْلَ الْهَاءِ يَاءً يُشْبِعُهَا بِالْكَسْرَةِ يَاءً وَإِنْ كَانَ غَيْرَ يَاءٍ يُشْبِعُهَا بِالضَّمِّ وَاوًا وَوَافَقَهُ حَفْصٌ فِي قَوْلِهِ "فِيهِ مُهَانًا" (69-الْفُرْقَانِ) (فَيُشْبِعُهُ) [7] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} يُدْغِمُ الْغُنَّةَ عِنْدَ اللَّامِ وَالرَّاءِ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ، زَادَ

[1] هذا الرجز للوليد بن عقبة، وتمامه: "لا نحسبي أنا نسينا الإيجاف". انظر: تفسير الطبري: 1 / 212، تفسير الواحدي: 1 / 26.
[2] في هامش (أ) : مقطعة غير مؤلفة.
[3] في الأصل: السورة.
[4] في المطبوع: مباني.
[5] انظر في هذه الأقوال: تفسير الطبري: 1 / 205-224، تفسير الواحدي: 1 / 25-26.
[6] ساقط من (ب) .
[7] في ب: فأشبعه.
اسم الکتاب : تفسير البغوي - ط دار طيبة المؤلف : البغوي، أبو محمد    الجزء : 1  صفحة : 59
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست