اسم الکتاب : تفسير البيضاوي = أنوار التنزيل وأسرار التأويل المؤلف : البيضاوي، ناصر الدين الجزء : 1 صفحة : 137
منسوخ بقوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ خلافاً لعطاء وهو نسخ الخاص بالعام وفيه خلاف، والأولى منع دلالة الآية على حرمة القتال في الشهر الحرام مطلقاً فإن قتال فيه نكرة في حيز مثبت فلا يعم. وَصَدٌّ صرف ومنع. عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي الإسلام، أو ما يوصل العبد إلى الله سبحانه وتعالى من الطاعات. وَكُفْرٌ بِهِ أي بالله. وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ على إرادة المضاف أي وصد المسجد الحرام كقول أبي دؤاد:
أكلّ امرئ تحسبين امرأ ... ونار توقد بِاللَّيْلِ نَارا
ولا يحسن عطفه على سَبِيلِ اللَّهِ لأن عطف قوله: وَكُفْرٌ بِهِ على وَصَدٌّ مانع منه إذ لا يتقدم العطف على الموصول على العطف على الصلة ولا على الهاء في بِهِ، فإن العطف على الضمير المجرور إنما يكون بإعادة الجار. وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أهل المسجد الحرام وهم النبي صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنون. أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ مما فعلته السرية خطأ وبناء على الظن، وهو خبر عن الأشياء الأربعة المعدودة من كبائر قريش. وأفعل مما يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث. وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ أي ما ترتكبونه من الإخراج والشرك أفظع مما ارتكبوه من قتل الحضرمي. وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إخبار عن دوام عداوة الكفار لهم وإنهم لا ينفكون عنها حتى يردوهم عن دينهم، وحتى للتعليل كقولك أعبد الله حتى أدخل الجنة.
إِنِ اسْتَطاعُوا وهو استبعاد لاستطاعتهم كقول الواثق بقوته على قرنه: إن ظفرت بي فلا تبق علي، وإيذان بأنهم لا يردونهم. وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ قيد الردة بالموت عليها في إحباط الأعمال كما هو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى، والمراد بها الأعمال النافعة. وقرئ «حَبَطَتْ» بالفتح وهي لغة فيه. فِي الدُّنْيا لبطلان ما تخيلوه وفوات ما للإسلام من الفوائد الدنيوية.
وَالْآخِرَةِ بسقوط الثواب. وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ كسائر الكفرة.
[سورة البقرة (2) : آية 218]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا نزلت أيضاً في أصحاب السرية لما ظن بهم أنهم إن سلموا من الإِثم فليس لهم أجر.
وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ كرر الموصول لتعظيم الهجرة والجهاد كأنهما مستقلان في تحقيق الرجاء أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ثوابه، أثبت لهم الرجاء إشعاراً بأن العمل غير موجب ولا قاطع في الدلالة سيما والعبرة بالخواتيم. وَاللَّهُ غَفُورٌ لما فعلوا خطأ وقلة احتياط. رَحِيمٌ بإِجزال الأجر والثواب.
[سورة البقرة (2) : آية 219]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
روي (أنه نزل بمكة قوله تعالى: وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً فأخذ المسلمون يشربونها، ثم إن عمر ومعاذاً ونفراً من الصحابة قالوا: أفتنا يا رسول الله في الخمر فإنها مذهبة للعقل مسلبة للمال، فنزلت هذه الآية فشربها قوم وتركها آخرون. ثم دعا عبد الرحمن بن عوف ناساً منهم فشربوا وسكروا، فأم أحدهم فقرأ: «قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ» فنزلت لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى فقل من يشربها، ثم دعا عتبان بن مالك سعد بن أبي وقاص في نفر فلما سكروا افتخروا وتناشدوا، فأنشد سعد شعراً فيه هجاء الأنصار، فضربه أنصاري بلحى بعير فشجه، فشكا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال عمر رضي الله عنه: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ إلى قوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ فقال عمر رضي الله عنه: انتهينا يا رب
. والخمر في الأصل مصدر خمره إذا
اسم الکتاب : تفسير البيضاوي = أنوار التنزيل وأسرار التأويل المؤلف : البيضاوي، ناصر الدين الجزء : 1 صفحة : 137