اسم الکتاب : تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن المؤلف : الثعالبي، أبو زيد الجزء : 1 صفحة : 495
فإِذا وقع النَّهْيُ عن الطُّعْم، فلا سبيل إِلى وقوع الشُّرْبِ ممَّن يتجنَّب الطعْم، ولهذه المبالغةِ لم يأْتِ الكلامُ: ومَنْ لَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ.
ص: إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ: استثناءٌ من الجملة الأولى، وهو قوله:
فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي، أيْ: إِلاَّ من اغترف غُرْفة بيَده، دون الكَرْع، / فهو منِّي، 63 أوالاستثناء إِذا تعقَّب جملتين فأكثر، أمكَنَ عَوْده إِلى كلِّ منها، فقيل: يعود على الأخيرة، وقيل: إِلى الجميع [1] .
وقال أبو البقاء: إِنْ شئْتَ، جعلته مِنْ «مَنِ» الأولى، وإِنْ شئْتَ مِنْ «مَنِ» الثانيةِ، وتُعُقِّبَ بأنه لو كان استثناءً من الثانية، وهي: وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي، لَلَزِمَ أنْ يكون: مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً ليس منه لأن الاستثناء من الإِثبات نفيٌ، ومن النفي إِثبات على الصحيح، وليس كذلك لأنه أبيحَ لهم الاغترافُ، والظاهر عوده إِلى الأولى، والجملةُ الثانية مفهومةٌ من الأولى، لأنه حين ذكر أنَّ من شربه، فليس منه، فُهِمَ من ذلك أنَّ مَنْ لم يشرب منه، فإِنه منه. انتهى.
ثم أخبر تعالى أن الأكثر شَرِبَ، وخالَفَ ما أريد منه، روي عن ابن عَبَّاس وغيره أن القوم شَرِبوا على قدر يقينهم، فشرب الكُفَّار شُرْبَ الهيم، وشرب العاصُون دُون ذلك، وانصرف من القوْمِ ستَّة وسبْعُون ألفاً، وبقي بعض المؤمنين، لم يَشْرَبْ شيئاً، وأخذ بعضهم الغُرْفة، فأما مَنْ شرب، فلم يرو، بل برَّح به العطش، وأما من ترك الماء، فَحَسُنَتْ حاله، [1] الصحيح أنه يعود على الجملة الأولى وهي: فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي، والجملة الثانية معترضة بين المستثنى والمستثنى منه، وأصلها التأخير، وإنّما قدّمت لأنها تدلّ عليها الأولى بطريق المفهوم، فإنّه لمّا قال تعالى: فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي فهم منه أنّ من لم يشرب فإنّه منه، فلمّا كانت مدلولا عليها بالمفهوم صار الفصل بها كلا فصل. وقال الزمخشري: «والجملة الثانية في حكم المتأخرة، إلّا أنها قدمت للعناية، كما قدّم «والصابئون» في قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ [الحج: 17] .
والثاني: أنه مستثنى من الجملة الثانية، وإليه ذهب أبو البقاء. وهذا غير سديد لأنه يؤدّي إلى أن المعنى:
ومن لم يطعمه فإنه مني إلّا من اغترف بيده فإنه ليس مني لأنّ الاستثناء من النفي إثبات، ومن الإثبات نفي، كما هو الصحيح، ولكن هذا فاسد في المعنى لأنهم مفسوح لهم في الاغتراف غرفة واحدة.
والاستثناء إذا تعقّب الجمل وصلح عوده على كلّ منها هل يختصّ بالأخيرة أم لا؟ خلاف مشهور، فإن دلّ دليل على اختصاصه بإحدى الجمل عمل به، والآية من هذا القبيل، فإنّ المعنى يعود إلى عوده إلى الجملة الأولى لا الثانية لما ذكرت لك.
ينظر: «الدر المصون» (1/ 605) .
اسم الکتاب : تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن المؤلف : الثعالبي، أبو زيد الجزء : 1 صفحة : 495