responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 370
اشْتَكَى شَيْئًا مِنْ جَسَدِهِ قَرَأَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي كَفِّهِ الْيُمْنَى وَمَسَحَ بِهَا الْمَكَانَ الَّذِي يَشْتَكِي
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ مَنَعَ مِنَ الرُّقَى لِمَا
رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّقَى، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَمْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ مَنِ اكْتَوَى وَاسْتَرْقَى»
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنِ الرُّقَى الْمَجْهُولَةِ الَّتِي لَا تُعْرَفُ حَقَائِقُهَا، فَأَمَّا مَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ مَوْثُوقٌ، فَلَا نَهْيَ عَنْهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّعْلِيقِ،
فَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «مَنْ عَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ»
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَأَى عَلَى أُمِّ وَلَدِهِ تَمِيمَةً مَرْبُوطَةً بِعَضُدِهَا فَجَذَبَهَا جَذْبًا عَنِيفًا فَقَطَعَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ،
سُئِلَ الْبَاقِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ التَّعْوِيذِ يُعَلَّقُ عَلَى الصِّبْيَانِ فَرَخَّصَ فِيهِ،
وَاخْتَلَفُوا فِي النَّفْثِ أَيْضًا،
فَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ إِذَا اشْتَكَى بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَمْسَحُ بِيَدِهِ، فَلَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ طَفِقْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ الَّتِي كَانَ يَنْفُثُ بِهَا عَلَى نَفْسِهِ،
وَعَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ نَفَثَ فِي يَدَيْهِ وَقَرَأَ فِيهِمَا بِالْمُعَوِّذَاتِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا جَسَدَهُ»
وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ النَّفْثَ، قَالَ عِكْرِمَةُ: لَا يَنْبَغِي لِلرَّاقِي أَنْ يَنْفُثَ وَلَا يَمْسَحَ وَلَا يَعْقِدَ. وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ النَّفْثَ فِي الرُّقَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ: دَخَلْتُ عَلَى الضَّحَّاكِ وَهُوَ وَجِيعٌ فَقُلْتُ: أَلَا أُعَوِّذُكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنْ لَا تَنْفُثْ، فَعَوَّذْتُهُ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ. قَالَ الْحَلِيمِيُّ: الَّذِي رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلرَّاقِي أَنْ لَا يَنْفُثَ وَلَا يَمْسَحَ وَلَا يَعْقِدَ، فَكَأَنَّهُ ذَهَبَ فِيهِ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ النَّفْثَ فِي الْعَقْدِ مِمَّا يُسْتَعَاذُ مِنْهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَنْهِيًّا عَنْهُ إِلَّا أَنَّ هَذَا ضَعِيفٌ، لِأَنَّ النَّفْثَ فِي الْعُقَدِ إِنَّمَا يَكُونُ مَذْمُومًا إِذَا كَانَ سِحْرًا مُضِرًّا بِالْأَرْوَاحِ وَالْأَبْدَانِ. فَأَمَّا إِذَا كَانَ هَذَا النَّفْثُ لِإِصْلَاحِ الْأَرْوَاحِ وَالْأَبْدَانِ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ حَرَامًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ في مفتاح القراءة: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف: 200] وقال هاهنا: أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ [الْمُؤْمِنُونَ: 97] وَجَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَفْضَلَ أَسْمَاءِ اللَّهِ هُوَ اللَّهُ، وَأَمَّا الرَّبُّ فَإِنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ، قَالَ تَعَالَى: أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ [يُوسُفَ: 39] فَمَا السَّبَبُ فِي أَنَّهُ تَعَالَى عِنْدَ الْأَمْرِ بِالتَّعَوُّذِ لَمْ يَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ بَلْ قَالَ: بِرَبِّ الْفَلَقِ؟ وَأَجَابُوا عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ فِي قَوْلِهِ: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ/ بِاللَّهِ [النَّحْلِ: 98] إِنَّمَا أَمَرَهُ بِالِاسْتِعَاذَةِ هُنَاكَ لِأَجْلِ قِرَاءَةِ القرآن، وإنما أمره بالاستعاذة هاهنا فِي هَذِهِ السُّورَةِ لِأَجْلِ حِفْظِ النَّفْسِ وَالْبَدَنِ عَنِ السِّحْرِ، وَالْمُهِمُّ الْأَوَّلُ أَعْظَمُ، فَلَا جَرَمَ ذكر هُنَاكَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ وَثَانِيهَا: أَنَّ الشَّيْطَانَ يُبَالِغُ حَالَ مَنْعِكَ مِنَ الْعِبَادَةِ أَشَدَّ مُبَالَغَةً فِي إِيصَالِ الضُّرِّ إِلَى بَدَنِكَ وَرُوحِكَ، فَلَا جَرَمَ ذكر الاسم الأعظم هناك دون هاهنا وَثَالِثُهَا: أَنَّ اسْمَ الرَّبِّ يُشِيرُ إِلَى التَّرْبِيَةِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ تَرْبِيَةَ اللَّهِ لَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَسِيلَةً إِلَى تَرْبِيَتِهِ لَهُ فِي الزَّمَانِ الْآتِي، أَوْ كَانَ الْعَبْدُ يَقُولُ: التَّرْبِيَةُ وَالْإِحْسَانُ حِرْفَتُكَ فَلَا تُهْمِلْنِي، وَلَا تُخَيِّبْ رَجَائِي وَرَابِعُهَا: أَنَّ بِالتَّرْبِيَةِ صَارَ شَارِعًا فِي الْإِحْسَانِ، وَالشُّرُوعُ مُلْزِمٌ وَخَامِسُهَا: أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ آخِرُ سُوَرِ الْقُرْآنِ فَذَكَرَ لَفْظَ الرَّبِّ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا تَنْقَطِعُ عَنْكَ تَرْبِيَتُهُ وَإِحْسَانُهُ، فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ خَتَمَ الْقُرْآنَ عَلَى اسْمِ الْإِلَهِ حَيْثُ قال: مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ قُلْنَا: فِيهِ لَطِيفَةٌ وَهِيَ كَوْنُهُ تَعَالَى قَالَ: قُلْ أَعُوذُ بِمَنْ هُوَ رَبِّي وَلَكِنَّهُ إِلَهٌ قَاهِرٌ لِوَسْوَسَةِ الْخَنَّاسِ فَهُوَ كَالْأَبِ الْمُشْفِقِ الَّذِي يَقُولُ ارْجِعْ عِنْدَ مُهِمَّاتِكَ إِلَى أَبِيكَ الْمُشْفِقِ عَلَيْكَ الَّذِي هُوَ كَالسَّيْفِ الْقَاطِعِ وَالنَّارِ الْمُحْرِقَةِ لِأَعْدَائِكَ فَيَكُونُ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْوَعْدِ بِالْإِحْسَانِ وَالتَّرْبِيَةِ وَسَادِسُهَا:
كَأَنَّ الْحَقَّ قَالَ لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ:

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 370
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست